الرمال الحارة تلفظ الشمس من بين ذراتها، وتطلق ناراً تحيط بالناس من كل مكان نارٌ تقذف من أمام‏ ومن وراء الظهور ‏ سماءٌ تصب نارها على الرؤوس وتُطلع من تحت الأقدام نار الخدر يسيطر على الأطراف، ، والشفا يف تتيبس عطشاً، والسماء تتسع ، وتدور..‏ نبضات القلب تتسابق، وتضرب الصدر بعنف

في كل عام يطل علينا ضيف ثقيل.. ضيف من نوع آخر.. وكعادة الضيوف الكرماء يأتي إلينا هذا الضيف حاملاً هدايا من نوع آخر، فيقدم لنا سهاماً ذهبية حارقة تذيب الشحم واللحم، ورطوبة عالية مغلفة بلهيب ، ولا ينسى هذا الضيف الثقيل غير المرحب به أن يجف بحره منافذ المياه، فتكون المياه شحيحة، وكذلك يضرب بمدافعه وقذائفه على مولدات الكهرباء لتصبح الكهرباء هي أيضاً بدورها شحيحة ،- ولكنها ولله الحمد قد أصبحت هذا العام علي ما يرام - هذا الضيف الذي يعرفه الصغار قبل الكبار هو فصل الصيف الذي يأتي بعد فصل الربيع فصل الحب، فمع ارتفاع درجات حرارته إلى أقصى حدودها يستعصى على الواحد منا خطو بضع خطوات تحت أشعة الشمس الحارقة وما يزيد الطين بله في هذا الجو الكئيب هو أنه يصعب عليك إيجاد مواصلات أو «باصات» بعد عمل يوم طويل وشاق فتبقى واقفاً في الشارع وتكاد أن تغرق بعرقك «وكلٌ عرقه حسب حجمه» منتظراً أن تحن عليك بعض هذه الدابة السريعة فتجود عليك بمعقد أو نصفه أو حتى ربعه فبفعل الحرارة قد تنكمش إلى ربع حجمك الطبيعي مخافة أن تنفد ما تبقى من طاقاتك فتبقى في ذهول واستغراب من هذا الجو الكئيب اللهيب فكأنما الحر والتعب والباص قد اتفقوا ضد جسدك المسكين المنهك.

المعاناة

وبذلك يصبح الشغل الشاغل للناس جميعاً البحث عن متنفس يهربون إليه من جو كهربته الحرارة التي تمارس كل أساليب الاضطهاد على الغلابة الذين لم يجدوا غير شواطئ البحر التي يهرعون إليها كلما سنحت لهم الفرصة وإن كانت الحياة وضغوطاتها وما تحفل بها من تفاصيل لا يجود بكثير من الفرص للتنفس من الركض المستمر الذي لا يحتمل التوقف ورغبة تلد رغبة وظمأ شديد لا يرتوي فيكون يوم الجمعة الفرصة الوحيدة في الأسبوع ... ومع إشراقه شمس هذا اليوم تجد الناس يتقاطرون فرادى ومجموعات صغاراً وكباراً على شواطئ البحر وكأنهم على موعد مسبق مع هذا المكان فيهنأ بهم شاطئ سيستا وإيرون- الذي لم يعد شاطئه يتسع لكثير من المرتادين بعد انجاز تلك التحفة المعمارية والصرح السياحي العملاق المتمثل بفندق كمبنسكي بلاس الذي يعد أحد أهم المعالم التنموية البارزة وشاهدا حيا علي ما حققته البلاد من طفرة في مجال الفندقة والسياحة - والبعض منهم يشد الرحال إلى شواطئ أبعد مثل دوده ليتحول إلى مأوى للهاربين من جحيم الحر ولفحاته وكتماته الجاثمة على الصدور وساحة للتسلية إلى جانب الملحقات من التعارف وأخذ مساحة لممارسة شيء من الحرية لدى البعض ولأن الهرب والانفكاك من قبضة هذه الأجواء القاتلة يصبح الهاجس الوحيد الذي يطارد الجميع يلجأ الكثيرون من أبناء مجتمعنا في فصل الصيف بالسفر والتصيف خارج ارض الوطن قاصدين مناطق ذات الأجواء المعتدلة سواءً كانت داخل الوطن كعرتا وعلي صبيح راندا التي قرر العبد لله هذه المرة إرسال نفر من أفراد الأسرة إليها والذين بدؤوا يغرونه علي الالتحاق بهم لما وجدوه فيها من لطافة جو ويسر حياة لا يعكرها سوي ضعف التغطية الكهربائية وداي أو كانت خارجه كالبلدان المجاورة إثيوبيا والصومال، وتشبه هذه الرحلة الصيفية هجرة جماعية موسمية عابرة للحدود الوطنية.

ليس من أجل الكلأ أو البحث عن موطن بديل، كما هو حال بعض المجتمعات الرعوية أو أسراب الطيور المهاجرة، بل هي رحلة سياحية يطمح أصحابها إلى أن يستمتعوا ببرودة الجو وهو في موطنه الأصلي وبيئته الطبيعية، بعد عملية فك الارتباط بالصيف وحرارته المرتفعة وسرعان ما يعودون إلى ديارهم عندما تخف وطأة الصيف، وقد توصف هذه الرحلة من أكبر الرحلات السياحية العابرة للحدود الإقليمية.

ونظرا لما بدأ يواجهه الجيبوتيون من الصعوبات في السنوات الأخيرة في الرحلة الصيفية على امتداد طريق السفر والعودة وأثناء الإقامة في دول الجوار. لوحظ في هذا العام لماذا  التوجه أكثر الي الاصطياف الداخلي الذي بدأ  يوفر فرصاً سياحية بديلة عن تلك الرحلات السياحية في الخارج التي تحفّ بها المخاطر حيث احتضنت مناطق كثيرة باردة ومعتدلة في بلادنا  الكثير من المصطافين الجيبوتيين الذين ولو وجوههم  شطر علي صبيح وعرتا وداي وعديلو ورندا.

 

جمال أحمد ديني