انفردت بقهوتي، في زاوية من مقاهي وسط البلد وذلك في ساعة أعلم أنّ روادها لا يحبذون التواجد على كراسيها الأثيرة، بقماشها الإيراني ومن خشب صندلٍ إفريقي عتيق.. جلستُ، فتناهى إلى سمعي صوتٌ، يُحدث صدىً في دواخل نفسي، صوتٌ ظل خجولا، وكأن نتائجه فاضحة، صادمة، واليوم كالبرق يشق طريقه إلى مِـخيال قهوتي، فشكّل من أعين فقاعاتها السمراء سؤالا:

ماهي أشياءك غير القابلة للشراء؟

في وهلة أولى؛ وفي دهشة السؤال، تكاثرت الاحتمالات كتكاثر ديدان الذباب الإفريقي:

أمي  .. أبي؟

وطني؟

حياتي؟

بل حتى انتهتْ وضمتْ القائمة ما هو خاضع للعرض والطلب اليومي في أسواقنا الشعبية، في الأزقة والحارات الضيقة، احتوتْ فنجان قهوة من سمراء تجرة بمحطة تزويد القود، خبز مملح مع سمك عربيّ في حارة من حواري أبخٍ (حيو)، أرز معجونٌ بمرق الكوارع على ناصية طريق عام في علي صبيح  ... القائمة تضم جديدا مع كل رشفة، وكأنها قائمة بين العرسان بأرض الكنانة، تضاف إليه مع كل زواج يقع لدى الجيران أو بنت الخالة. 

احترتُ، وسألتُ نفسي:

ماذا أراد أمل دنقل بعبارته «هي أشياء لا تشترى.. «.

استعنت بقائمة مكتبتي PDF واستعرتُ منها قصيدة « لا تصالح» لأمل دنقل، فاستعصى عليّ فهمها ولم استخرج من درّها الكامن، تلك الأشياء التي لا تشترى إلا الحق.

فكرت في الحق.. وعن ما هيته!

نعم، الحق لا يشترى في عرف أمل دنقل، وإلا فإنه تصالح مع الظلم، وإن أخذ مسميات وأوجه مختلفة، هو الظلم إن ترك حقا، لخوفٍ كان،  فالحق لا دية له إلاّ الحق، يُطلبْ الحق لذاته وبذاته ليكون الظلم محرما بكل أشكاله وأبنائه.. لا تصالح مع الظلم و إنْ يقلدوك  تاج الإمارة. 

إذن القيم والمبادئ لا تشترى، الإنسان  هو محور كل القيم والمبادئ و قيمة الإنسان في كينونته، وعليه حفظ كيانه ماديا وحسياّ... الكرامة هي محدد الرئيسي لمعرفة ما لا يمكن شراؤه.

وفي رشفة أخيرة، كانت الحرية.. 

كانت هي من أشياء لا تشترى. 

لا تصالح في الحرية  ... 

وإن قيّدوك بالذهب يا حُمّـــــد.

 

بقلم الكاتب والقاص

 حمد موسي