هنا، وفي دواخلي امتنان وحب عميق للأصدقاء، ومهما أفصحتُ  اوكتبتُ يظل شيء مفقود وناقص لا يصله الحرف.

في شيء من الوجدان، ومن أعماق النفس يلحّ من حين لآخر أن أطلق قيده وحرره، لكنْ  وفي كل محاولة لا يصل الحرف إلى ما وقر من حبهم في القلب. 

وبالأخص من شاركتهم ذكريات الطفولة والمراهقة، وهم قناديل تظل تضيء حياتي المبعثرة بين كينونتي الحقيقية وبين ما يريد المجتمع أن أكون، وما تفرضه الظروف  المحيطة .

كينونتي المتمردة التي لا تقبل أن يخدشها - كائن من كان - في مبادئها وقيمها وأخلاقها، لا تتردد في أن تدافع عن ذاتها بأي ثمن وفي أي أرض تكون.

_______

المجتمع

مجتمع امتطى جواد النفاق، يجامل وينافق فيمجد قاتله في لُقْمَة. أعقلهم مجنون. وأما الشيخ فيهم يمارس طقوس التنويم الديني - الآخرة خير وأبقى - ويتناسى أن الله عليم بذات الصدور، فقدم الاستقالة من مهامه في مقاومة ما يتناقض مع القيم والمبادئ رغبة في نعيم زائل. 

 المثقف: يمارس الدعارة الفكرية، مقننا الظلم ويجيزه باسم التنمية والتقدم، يكتب عن نيورك واسطنبول وموسكو، يحلل أحداث دولية وإقليمية وهو قابع تحت تأثير مخدر التغييب، وينعم بنعيم ملهى فكري. 

___

إذا أصبح الفن أحد آليات تسلقٍ إلى قمة النفاق -حيث يغني المغني وعيناه على شقة مطبخية لا تصلح للسكن، أو وظيفة براتب حارس عمارة- فعليك بصديقٍ رسالته إنسانية، لأنّ النجاة من فن (ألا تجوع أبدا) في صديقٍ تأتمنه ويأمن قلبك له. 

أما الشعب: في خوف دائم عن الغد، لا يدري ما يُسكِتُ به صوت الجوع، يخاف من أن تطلع عليه الشمس بلا رغيف وماء، أو تغرب به وهو لا يملك ثمن مواصلات يرجع بها إلى الكوخ. ورغم ذلك يمجد الأسباب والنتائج تحت شعار (الأمان).

-----

يصف (مكسيم غوركي)مجتمعنا في رائعته - الجاسوس .. قصة رجل وجوده كعدمه – والتي يقوم في ثناياها بتشريح نفسية شعوبٍ تشبهنا في يومياتها، فيقول واصفا:-

«قلوب الناس غارقة في الخديعة والكراهية والضغينة، كلُّ واحد منهم يسعى للسيطرة على صاحبه وهو غير قادر على السيطرة على نفسه، كلُّهم غارقون في خوفٍ من شيء ما، حياتهم مليئةٌ برعبٍ مزَّقهم إلى أشلاء».

______

هنا ...

الطبيعة المتمرد لا مكان لها، يعاديها النظام، ويخاصمها المثقف، ويعلن المجتمع حربا عليها، لإثارتها الفتن والقلاقل، وتهدد الأمن والسلم المجتمعي.. ولأنها عدوة السكون.

في هذا الفضاء المتخم بالظلم والقهر لا يبقى – للشخصية المتمردة - سوى أن يطلق رصاصة انتصار كما فعل شهيد القضية في المقالة القصصية المعنون «انتصار شهيد» الأخيرة في كتاب القابعون تحت القيود.

أو

أن يكون حظك مثلي في الأصدقاء، كلما همّتْ نفسك أو يتمكن العجز منها وحين تضعف قدرتك على المواصلة والاستمرارية ويهاتفك الاستسلام مادّا أذرعه وفارِشاً حضنه ونحو السكون .. 

يأتي الصديق فينتشلك مما أنت فيه، ويخاطبك «لا تكن إلا ذاتك وحافظ ما تبقى منا، لا تخسر خسارتين كما فعلنا» يقول ذلك بصمت ودون ضجيج، فقط قد تأخذ شكل عزيمة أو سهرة على شاطئ  أو قهوة سمراء تعيد ترتيب ما تبعثر من اتزانك.

 

 

الكاتب والقاص

 حمد موسي