فكرت حتى أعياها التفكير، أخذت نفسا ثم آخر، أعادت نظرها حولها وحول كل ما هو كائن .. فتساءلت «لم  أهدرت طاقتي في مدحه لدى صديقاتي، وصنعتُ منه أيقونة بشرية متكاملة الإنسانية»

توصلتْ أنها بالغت كثيرا في وصفه حد التمجيد، وأسمعتهن ما كان لها أن تحتفظ به لنفسها وفي نفسها، لتحميه منهن، أو تحميهن منه .. ما كان لها أن ترطب لسانها بذكره كلما سنحت لها الفرصة.

من تلوم؟

هل هو المذنب؟ أم هي ؟

«أنت أختي وستظلين كذلك» .. قال ذلك يوما يمازحني، 

وأنا التي لم أستوعب مضمون رسالته .. أوهمتُ نفسي بأنه سيكون يوما لي – فقط - وبأني سأختص به دون البقية.

وأنا مَن رأت فيه فتى الأحلام، بينما لم أكن في نظره سوى صديقة يكمل بها إحساسه بامتلاك أخت لم يرزقه الله بها من أمه فعليا.. أخت افتراضية من صنيع خياله واختياره الذاتي.

ليس هو المذنب، وعلى الدوام كان صريحا بأنه لم يخلق ليحب، وأن الحب ليس من عاداته، يكره الاعتياد على الأفراد إلا في إطار الصداقة، فالحب في قاموسه انتهاك للحرية وتخلٍ عن ممارسة طقوس الحرية .. يريد أن يتصرف دون أن يكون هناك متضرر من تصرفاته.

هي المذنبة .. 

كيف تسرق الحلم مني

أنا الأحق به منها .. (تقول همسات). 

وتزيد:

«أعرف كل ما يكره ويحب، ما يُحزنه أو يفرح، أعلم يقينا ما يغضبه، هو لم يكن يوما لسواي.

كتمتُ مشاعري تجاهه خوفا عليه ومنه»

ثم يخاطبها العقل:-

«لا لا .. لم تذنب هي»

«أية أنثى ستقع في شباكه، اهتمامه، حرصه، خوفه .. كلها أسلحة تصطاد النسوة بصمت وتصيبهن بمقتل، كريم يعجزك عن الشكر، خدوم يدهشك بما يقدمه بلا كلل ويترفع عن كل مقابل لخدماته».

تعتبر نفسها:

ما أغباني .. قدمته لها بطبق من ذهب، وتناسيت أن سمع الأنثى يسبق عيناها.. تحب بسمعها، يغريها ما تسمع من الصفات النبيلة في الرجل .. يغرّها أن تُذْكر محامده علي  مسامعها لينبض قلبها حبا.

فتكمل بما يشبه الهذيان:

نحن الإناث لا نحب إن لم يكن الرجل مقبولا لدى صديقاتنا، وكأننا نحبه في عيون الصديقات، نبحث عن الرجل في عيون غيرنا، لا نحبه مادام لا يحظى بذلك القبول .. وكلما زاد قبوله لدى الإناث زاد تعلقنا به وتمسكنا فيه حتى وإن كان غريب الأطوار.

تردف الهذيان: 

«فإن لم يكن مثير الغيرة فينا سمعا، أو ما يُحكى عنه مثار غيرة فينا لا نَعُد العدة لاصطياده. إنّ السمع هو الطريق السريع إلى قلوبنا»

ليست هي مذنبة

وليس هو أيضا مذنب

ولست أنا أيضا مذنبة.

أغراها سمعها  .. (همسات بين نفسها وقلها) 

ثم تبرر:-

انخدع هو في الصداقة .. وتعويض ما لم يحظ به، وأغراني خوفه .. حرصه .. اهتمامه»

«إن لم يكن لي .. فلن تحظى به أنثى أخرى حتى وإن كانت أختي» قالتها، فتنهدت، ثم أخذت نفسا عميقا.

 

بقلم القاص والكاتب

 حمد موسي