وجدها واقفة _ في الدقيقة الأربعون وعقرب الساعة يغادر مخدعه من الثانية  بعد الظهر ليعانق الثالثة _ مسندة ذراعها على كتف شاب ثلاثينيّ؛ تحت ظل شجرة وارفة، وسيم، مرتب الهندام.. فكر في مباغتتها، لكنه اختار السلام.

أسر في نفسه بعض ما يخفف انهياره العاطفي، وقال:

«تأتي من الفعل كل ما هو قبيح وتأباه النفس السوية، ثم تطالب المتأذي من سيئ أفعالها بتحسين أسلوبه الخطابيّ»

خروجات، وسهرات، واتصالات دائمة لا تهدأ كأنها موظفة في مركز الخدمات العامة، أو سمسار ذائع الصيت في أوساط المجتمع.

هذه هي، وهكذا يراها هو .. وهذا ما يشعربه ، لأول مرة يقولها، يعلنها لنفسه، لم يكن يتجرأ  علي قوله، خوفا من أن يفقدها بينه وبين ذاته.

_____ 

السابعة مساء

«لدي ظروفي، وسأتصل لمن أريد، ومتى تطلب نفسي ذلك، سأخرج متى وجدت ذلك يناسبني، و ...»

قالت بتحد وبصوت رجولي فخيم، ومتعجرف آمر.

انقبض قلبه بقوة، تسارعت أنفاسه

ثم تباطأت دقات قلبه.. وتباطأت

تعرّق؛ حتى بردت أعصابه.

--------

ما عدتُ أطيق النظر إليك .. ولم تعودي للثقة أهلا

وداعا يا خائنة

قالها،  وبصوت يكون همسا، وهمّ بالمغادرة

لحقت به، وقالت: لم أسمعك يا ...

لا شيء؛ لا شيء  ... قال ذلك دون مبالاة

وأردفت ماذا تقصد بالخائنة؟

لم أخن لك حبا، ولا عهدا .. لحبنا حافظة، ولقلبك وفية.

قطّب جبينه، وبازدراء حدق بين عينيها ..

حرر معصمه من قبضتها، وأدار ظهره ، قالت مسترسلة ومستدركة.

لكن ..

أحبك، كما أعشق كل نعمك التي أعيش في كنفها .. أغواني بوسامته، بالقدر الذي أغوتني ثروتك يوما، وما زالت تفعل.

ازداد وجهه سوادا، واحمرت عيناه، وأطرافه ارتعشت كأن ..

فقال: لا تقتصر الخيانة على الجسد، وليس هي أن تكوني متاحة لغيري متى شاء وطلب؛ ولا تقتصر على أن يرتشف الحب من شفتيك عذبا مرّا كفنجان قهوة؛ للجميع متاحة أو ككأس نبيذ أحمر في حانة.

التقط نفسا عميقا

مسح من أنفه ما أصابه من بلل، وكجندي يؤدي سلاما عسكريا، عدل من جسمه واقفا.. قال:

«اخفاء الأفعال التي  يؤذي الاطلاع عليها المحب، خيانة، أي تصرف مضر للعلاقة خيانة، إتيان فعل يجرح كبرياء العاشق؛ خيانة، وقد تكون كلمة، تصرف».

“لم أقصد جرحك، ولم أتخيل أنها تعد خيانة» قالت وفي عينيها دمعة، لكنه أردف وكأنها لم تنطق، أو لم يسمعها، أو تعمد التجاهل.

واصل: الخيانة هي .. الخيا .. تلعثم.

تنفس .. تنهد

فتنفس ...

 وأتبعه بآخر بصعوبة، كغواص لم يسعفه الأكسجين في عمق البحر. 

صمت .. تحامل على حزنه وقال:

الخيانة يا سيدة هي اخفاء أمر قد يؤدي اكتشافه أو افتضاحه إلى إيذاء المخفى عنه شعوريا، وها أنت أتيت ذلك.

قالت: لم أق ..

انتبهت أن عينيه تحولت جمرا أحمرا، وكل أطرافه ترتعش، وتصبب جسمه عرقا.

 

بقلم / 

حمد موسى