كعادة أسئلتها الغريبة حينا والمألوفة حينا آخر وذات الطبيعة المفاجئة كرصاصة انطلقت من مسدس في يد مرتعشة، تناقشك في موضوع وتسألك في الآخر، بين السؤال والموضوع مسافة لا يدركه عقل بشر، ويستحيل ربط سؤالها بما كانت تحاورك فيه.. قد تحادثك عن الحب وتسأل عن الحرب، تغوص في مسائل تخص  مستقبل العلاقة وتفاصيل العرس وأمانيها بطفل يشبهني وفتاة تشبهها ستفاجئك بسؤال عن الطلاق.

لماذا تحبني؟ سألتْ، في شفتيها بريق ابتسامة رضىً

ابتسمتُ لها ابتسامة مبتذلة.. 

وأجبتها من كذّب على سيادتكم بهكذا معلومة وتقوّل عليّ وأوهمك بأني أحبك.

اقتربت أكثر مني حتى كادت جبهتها تلامسني .. وتوسعت بؤبؤتا عينيها، ولمحتُ فيهما شرارة على وشك الإنفجار، كبركان عيرتا عيلا - وبطبيعتها الأصلية لا تفرق عنه بشي، تهيج وتسعر خدها بلا سبب ومسبب، وكذا يتلبسها الهدوء والسكينة دون سابق إنذار، سريعة الهيجان وبنفس الوتيرة تخمد- وكما لاحظت رذاذ عرق بين حاجبيها برز وكذا على منخرها أي مقدمة أنفها، وتلك علامات لبداية حرب وكأنها تفرز من بسماتها كل حنان قد يضعفها في المعركة وتتخلص عن كل ما قد يلطف روحها.

أنا الحافظ كل حركاتها وسكونها علمت أنها تعد العدة، وكمحاولة مني لإدراك ما أفسدته بهذا الجواب .. أكملت ابتسامتي وهذه المرة عريضة.

نعم لا أحبك ولن أحبك وأنت كذلك لا تحبينني ولن تحبي. 

 

ضحكتْ هي ضحكة اقتربتْ إلى قهقهة وحينها عرفتُ بأنه إنذار أخير، يسبق مرحلتها الهيستيرية. 

وقلت لها اضحكي ما بدا لك وقهقهي، ولكن مثلي لا يخدع ولا ينخدع بمثل هذه الأمور، واسمح لي أن أوصلك حقيقة ما يسميه الناس حبا وأسميها أنا حاجة.

قد تسألني ما علاقة سؤالك عن مدى حبي لك ومقداره بالحاجة، لكن الحقيقة أن الحب ما هو إلا حاجة، حاجة الإنسان لإنسان يكمله، حاجة الإنسان ليجد نفسه في الآخر، الحب تطوير لذات الشخص وتجميل لكلمة أحتاجك.

هل لاحظت سيدتي أول كلمة نخاطب بها بعضنا في لحظة الغضب، وهي لحظة تُغيّب الحاجة وتبرز الذات، في تلك اللحظات القصيرة تكون الكلمة لأنا، وكل منا يتحول إلى قاض ومحام ونكيل التهم.. نخاطب بعضنا بأنا وأنت.

أنت كذا وكذا، وأنا ما بحب كذا 

نعم لا أحبك . .. 

أنا بحاجة إليك، بحاجة إلى حضن، وكما أني كإنسان جبل على طبيعة التزاوج ومنتمٍ لمجتمع البشرية بحاجة إلى التكاثر لإشباع غريزة الجسم والخلفة، وبمعنى الأصح استثمار للحاضر والمستقبل معا. وهو استثمار لا يمكن تنميته من دونك. وبالتالي أنا بحاجتك، وكذلك أنا أفي بالنسبة لك نفس المتطلبات. هو كخصومات من الراتب بقصد التأمين نشكو عند ما يتم خصمه ولكننا نتقبله ليس حبا لذلك ولكن لإدراكنا حاجتنا إليه عندما يحين التقاعد.

قد تجدين كلامي غريبا أو تعتقدين جنونا قد اقترب؛ لكن سيدتي: فكري في هذه العبارة التي يقولها كل أهالينا عندما يُرغبونا بالزواج «لماذا لا تتزوج.. تزوْج العمر قصيرٌ ولن تجد أحدا يقف جنبك غير زوجك وأبناءك حين تخور قواك». ما نسميه الحب هو سلف واقتراض من حياتنا الفتيّة لما سنحتاجه في حياة الوهن والضعف الجسدي والعقلي، واحتياط عمري في بنك الأعمار.

والحقيقة أيضا أنك لا تحبينني، وإنما بحاجتي لتتخلصي من تهم المجتمع وأسئلتهم السخيفة، لتتخلصي من سؤال ماذا تنتظرين وكل نظرائك تزوجوا وكونوا عالمهم.. والأحرى هروب من كلمة قد تلحق بك وخوف من أن يوسمك المجتمع بالعانس.

أما لاحظت سيدتي أن الأنثى كلما تقدم بها العمر تتقلص رغبتها في الحب، ويقل اهتمامها بالجنس الآخر، وتصبح عدائية نحو الذكورة، تهاجمهم بلا ترد، ومؤشر الارتباط عند الأربعينية في الهبوط حتى ينعدم في الخمسينيات، كأن عمر الحب كعمر لاعب كرة قدم تقل قيمته السوقية كلما تقدم بالعمر مهما كانت نجوميته السابقة.

تتقلص رغبتها لأنها  تتعود الوحدة، ولأنها تعودتْ على كلام من حولها ونظراتهم المريبة، وكما أنه لم يعد يخيفها أن توسم بالعانس، وأيضا إدراكها على انخفاض فرص الإنجاب والتكاثر ، الذي يصاحبه اليأس.

أنا حاجتكِ أمام أصدقائك ورفيقاتك، حاجتك في أن يكون لك بيت وأبناء وأن الوسيلة السهل لكي تهربي من هذا العالم الذي يقيس الحياة بمنظاره الضيق، مجتمع جعل من الارتباط بالآخر مشروع حياة ومن الإنجاب استثمار ووديعة في بنك ردم الأعمار.

أنا حاجتك سيدتي لتحبي نفسك، ووسيلة لترضي رغبتك فيما قلته آنفا 

فأنا حبك لذاتك ومؤشر تقيس به رضاك لطبيعتك البشرية والأنثوية معا،  وكما أنتِ حاجتي

وقد تتسآلين لماذا حاجتك معي وليست عند غيري؟

 

بقلم الكاتب والقاص/

حمد موسي