التقاطع الثالث:

«فايق لما راحوا أهالينا مشوار

تركونا وراحوا قالوا أولاد صغار

ودارت فينا الدار ونحن أولاد صغار

والهوى جمعنا وفرقنا الهوي» #فيروز

ولم تكن اغنيتنا القديمة التي يترنم فيها المغني الراحل بلغتنا محض صدفة

«alalat feeranto yok rade magney yi feera foyyate»

كنت غريبة مع هذا الكم من الصدف ولم أكن أصل لشيء حتى ولو كنت منتبهة أكثر لوجدت خيط يوصلني إلى هويتي

لا أتذكر من طفولتي سوى ساحة بيتنا الواسع الذي كنا نجتمع فيه نحن وبنات الجيران ولا أتذكر منهم شيء حتى ملامحهم لا أذكرها

اتذكر المسجد الذي توارثته العائلة من جد لجد الذي كان يقع مقابل بيتنا -النخيل - النهر - كل هذا اتذكره لكنني لا أتذكر ملامح أحد..حتى أنني اتذكر لون بقرتي التي اهداها لي والدي حين ختمت تلاوة الجزء الأول من القرآن حينها كنت صغيرة جدا

اشعر بالبؤس تجاه نفسي ليس لأنني أعمل خادمة إنما لأنني لا أتذكر أي تفاصيل تشعرني بهويتي 

التقطتني سفينة بحّار الشمال وتفلتني حين رأت سفينة بحّار الشرق

 أصارع لوحدي أمواج عاتية، وصرت الموج والإعصار واليابس

تقاطع الرابع: 

واليوم يجتمعون كلهم ويقولون أن السيد محمد أيداحيس الذي خدمته نصف عمري أبوك؟!

كفاهم هراء وكفاني أوجاع

اثنان قد أصبحا عزائي ورثائي «بؤسي وشقائي»

لا استطيع أن أقول بصوت مرتفع أنني ابنة(..... ) ولا استطيع أن أقول نعم أنا بنته

أقف في منتصف الطريق لا طريق عودتي قريب ولا طريق ذهابي قريب

وسط مشهد درماتيكي حدثني رجل يحمل نفس ملامح السيد الراحل: 

 -  لقد قتل السيد لأجل ثأر قديم قبل أن يصل البيت

التقى بافراد عائلته وأولاده وقد ترك لك هذا المظروف فلتقرئي...

سأكون في انتظار قرارك

لقد قرأت جميع حروفه وكأنه حي ويتحدث إليّ ، شعرت أن الكلمات تئن بصمت

جميع حروفه تحمل حجم الكون من الأسف...

فهل سمعتم حروفا تشفع وتداوي الجروح..؟!

الرجل الذي كنت ازداد له احتراما يوما بعض يوم...لم يكن إلا أبي

الهوية التي كنت ابحث عنها ولم أعرف كيف أبحث وبأي اسم ابحث `كانت أمامي`

كيف يمكن أن تخوننا غشاء القلوب ..؟

 كيف لم انتبه إلى تشابهنا أم أنه أيضا ادرج ضمن صدف اغنياتنا المفضلة...؟

يا ما حدثت نفسي ويا ما تمنيت أن يكون لي أب مثله  وهو لم يكلف نفسه بأن يقول لي الحقيقة

يقولون الموتي في مكان أحسن منا ولا يجب أن نذكرهم بالسوء، كيف اطاع قلبه وجعلني اسخر من نفسي 

ألم يفكر بكل هذا؟؟ ألم يفكر بيوم كهذا بأن يرحل فجأة ويتركني أواجه ما يفوق عمري وخيالي؟

لا غرابة في ذلك؛ فمن يتركك وأنت في احوج أحوالك سيتركك أيضا دون خوف أو تردد

ليتني استطيع أن امحي كل الذكرى الجميلة التي أخلدها ذهني .. 

ليتني استطيع أن أخبرهم أنني مؤمنة فقط  ولست ابنة محمد أيداحيس

لقد فر هاربا بجلده حين مات أعز رفيقه برصاصة غدر، وتوعدوه بأن يأخذوا الثأر منه بأقرب الفرص

وها هو ذهب للموت برجله ولم يعد..

لا انعي محمد أيداحيس، إنما انعي ذكريات لا تنتهي وحياة بائسة ترقص على يأسي وبؤسي... 

اشفق على دخان سجائره التي صارت تشاطرني الغربة والفقدان والقهر.

 

بقلم الكاتبة /

مريم شريف