بيني وبين القراءة عشق حلال، وبيني وبين المكتبات حب من نوع آخر، كلما أزور مدينة أبحث عن أهم مكتباتها، وكلما أحط رحلي في قرية أسأل عن أكشاك الكتب فيها، في حياتي رزت معارض كبرى للكتب، كما زرت مكتبات وطنية وأخرى تجارية في أكبر المدن وأشهرها على وجه البسيطة كالرياض وباريس ودبي، لكن ما لم أفعله هو زيارة مكتبة عائمة في عرض البحر، وهو ما تحقق لي في بلدي جيبوتي مع سفينة لوجوس هوب التي تعدُّ أكبر مكتبة عائمة في العالم. 

سفينة لوجوس هوب هي أكبر مكتبة عائمة على وجه الأرض تحمل على متنها أكثر من 5000 عنوان في شتى المجالات والفنون والمعارف بمختلف لغات الدنيا، ويعيش على متنها أكثر من 400 متطوع ينحدرون من أكثر من 70 دولة، وقد تأسست السفينة عام 1973م، وهي تدار من قبل منظمة GBA الأمريكية التي يقع مقرها في ألمانيا والتي اتخذت من عبارة «الكتب الجيدة للجميع» شعاراً لها، وقد زارت السفينة منذ عام 1973م أكثر من 150 دولة في العالم. 

هذه المكتبة الغريبة العجيبة التي تزور جيبوتي للمرة الثانية منذ عام 2006م أتيحت لي فرصة زيارتها هذه المرة برفقة عائلتي؛ لخوض تجربة مشاهدة مكتبة عائمة فرأينا فيها مكونات السفينة، ومجتمعها الديناميكي المتعدد والجميل، وبعد أن دخلنا برسوم رمزية لا تتجاوز 150 فرنكاً للفرد كان في استقبالنا عند مدخل الباخرة أحد متطوعيها؛ لشرح مكونات السفينة وخارطتها، وشاهدنا مقطعاً مصوراً للسفينة، بعدها انتقلنا إلى معرض الكتب وتجولنا فيه وشاهدنا أنواعاً

 وأشكالاً من الكتب بلغات عديدة؛ ولأني مهوَّس بالكتب العربية في مجال تخصصي فقد بحثت عنها رجاء العثور عليها فوجدت عدداً منها مثل: كتاب في فنون البلاغة المعاني والبيان والبديع، وكتاب طبقات فحول الشعراء النقدي لابن سلام الجمحي. 

وبعد أن اشترينا بعض الكتب من المكتبة انتقلنا إلى المقهى الدولي الذي يوجد هو الآخر في السفينة، لتقديم المشروبات الباردة والساخنة، والفشار والمأكولات الخفيفة، فاشترنا منه عدداً من المشروبات والمثلجات وجلسنا في إحدى الزوايا نتجاذب أطراف الحديث مع إحدى المتطوعات بلغة إنجليزية مكسرة منا ومستقيمة منها، فحدثتنا عمَّا كان ينقصنا من معلومات عن السفينة وعجائبها وغرائبها، وعن فوائدها وأهدافها التي من أجلها تجوب قارات العالم منذ عام 1970م، وعرفنا أن السفينة تهدف فيما تهدف إليه إلى نشر المعرفة والمساعدة والأمل في العالم،فإلى جانب إتاحتها للكثير من الكتب المعرفية لنشر العلم فإن أفراد طاقمها المتطوعون يساعدون المدن التي يزورونها بما يملكون من مهارات وخبرات في مساعدة الفقراء، وتجاوز آثار الكوارث الطبيعية، وعلاج المرضى، وتنشر السفينة الأمل عن طريقة نشر البسمة في وجوه الزائرين، وتقديم برامج الدعم النفسي لكبار السن، وتقديم العروض الموسيقية على سطح السفينة. 

زيارتي لمكتبة سفينة لوجوس هوب العائمة تعدُّ تجربة جميلة قل أن يتكرر مثلها انضافت إلى تجاربي في ميدان القراءة،بدءاً من مكتبة مدرسة الفاروق الصغيرة في الحي الرابع في بداية الألفية الثانية حين كنت تلميذاً في المرحلة الابتدائية مروراً بمعارض الكتب العالمية والمكتبات الوطنية الدولية، وأندية القراءة الحرة في الرياض وعبر الانترنيت، وليس انتهاء بخوض تجربة زيارة أكبر مكتبة عائمة في العالم في جيبوتي العاصمة أنتهز هذه الفرصة السانحة لدعوة الشباب

 المثقفين إلى اغتنام مثل هذه الفرص الذهبية التي قد لا تتكرر في الحياة إلا نادرا. 

 

 

                                    محمد شاكر عرب 

الكاتب والباحث الأكاديمي 

في البلاغة والنقد الأدبي