فــي برّ الوالدين

أي أمرٍ يحــول بينك وبين برّك للوالدين، أهــرب منه بقدر خوفـكـ من نار سيكون جسمك وقودها، المنفعــة الآنيّــة مهما عظــم عائدها المباشر (المـادي) والمعنــويّ (المكانة الاجتماعية) لـن تُعوضك عن لحظــة أنـسٍ معهما -الوالدين- وابتسامـة رضىً تتوّلدُ من رحــم خدمة بسيـطة، قــد لا تكلفك سوى بضع ثوانٍ  ... ولكن تقر في قلبيـهما للأبد، ويبقـى لك منها أثر ابتسامة لا تزول، وتعيش بها حياتكــ في حياتهم ومماتهم.

______

في الكتابة

الكتابة مقاومة ضعف إنسانيّ، امتداد روح بعد فناء الجسد، ذاكرة وطن وإنسان .. تبقى شاهدة علينا في اختياراتنا بالحياة، وقبل أن نموت: أقَبِلْنا فيها التنازلات لكي لا نُستبعـد... أم أننا عشناها دون ذلك 

قال جاو زنجيان في الكتابة:

“عندما لا نستطيع الكتابة ندرك ما تمثله الكتابة من ضرورة. يسمح الأدب للكائن الإنساني بالمحافظة على إدراكه بأنه إنسان».

______________

في المـوت

سأمـوت يا أملي؛ وفي جعبتي الكثير والكثير مما أردت قوله، الكثير مما دفنتـه في قبر ذاكرتي، كما سيضمني لحدٌ ذات يومٍ من أيام فوضىً، قولي لهم: أني كنتُ متيما بترابي وطني، عاشقا للحرية، وأنْ لا يبكينّ أحـدٌ عند موتي، لأن الدمـع كان يؤذيني. 

ما عجزت عن حكايته لك حيا: سأطلق سراح بعضه في المغسلة، فانفردي بي، سأحكي لك عن ذاك السيد المزارع، وعن رغيف خبز جاف لم آكله خوفا من أن أجوع يوماً... فأبقيته عالقا بالمسمار فوق السرير؛ وعن جميلة انتظرتُ ولادتها وأجنتها في رحم أمها لم تتشكل، وعن اسمي! 

___________

 في المغسلة

تقف الآن عند قدميه الباردتين، تخطو خطوات متقاربة.. تضع رأسها على صدره، وقالت:

 أنظر، افتح عيناك يا حبيبي، نحن وحدنا.. لا يوجد إنسان سوانا، أنا وأنت 

ألا تسمعني! 

ألم تعدني بأنكـ ستخصني بسر خطير، وأنّ المغسلة ستشهد على آخر حكاية. 

إياكـ أن تتركني عالقـة.. افتح 

احكـ آخر سر... كيف سأعيش وأنا أعلم بأنك تملك سرا لم تحدثني به. 

بكت كثيرا.. وضرب صدره بكلتا يديها.. لا يستجيب 

فوضعتْ رأسها إلى صدرها فهزته  بأنينها.. لا يجيب

همت بالمغادرة 

تمشي نحو الباب بخطى متذبذبة غير بطيئة ولا عجولة

سمعتْ صوتا من وراء خطواتها:

«كل الحكاية يا أمل في كلمـة

وكل ما كتبته، كان في كلمة ولأجل كلمة:

أحبك يا أمل.. أحبكـ

عانقتـه، قبلتُ من جسمه البارد كل ما طالت شفتاها، ثم قالتْ: الآن يا... يا ليتني لم ألحّ؛ لدفن هـذا السر معكـ يا حبيبي، تعرف بقدر معرفتي أنني غير قادرة على الاحتفاظ.. سر الحب لا يؤتمن عليه النساء، نحن معشر النساء نحب بقدر ما ننشر أخبار حبنا، لأننا في حكايات الحب نحيا.. لا تحرمنـي هذه المتعة النسوية، يا... 

أحبكـ أملي.. لا يهم 

ما يهمكِ ملئ ما بعد (يا ... ) 

أعلم يا حبيبتي إنّ كل  ما  يخصكـ في الحكاية، هـو اسمــي. 

أنا، لا يهمني شيء لأني: لا أعلـم من الحكاية سوى أني إنسان. 

 

بقلم /الكاتب والقاص

 حمد موسي