تحاول ثلاثة فتيات لفت انتباهـه، وهو يختلس نظراته إلى كل منهن، يسرق غفلتهن أو محاولـة انشغالهن بشاشة جـوالٍ، تجلس الأولى، وكأنها لا تبال بوجود أحد، ولكن عينها على ذاك الغريب في آخر ركن من المقهى، والثانية أبتْ قدماها أن ترتاح، تقف قبالته وتحادث جوالها، وتزال عيناها عليـه، وجمالها أكثر ما يُلفتـه، خبرته! تتيح له اكتشاف جمالها وتفاصيلـه، دون أن يقتل فيها الفضـول، يمنحها الأمان في أن تطيل النظر وتختلس منـه ما تريد، وهـو لا يفوّت فرصة في قراءة عينيها، كقارئة فنجانٍ محترفـة ... أنفها المقلوب السماوي ملفتٌ وجاذب جدا، شفتيها كقطعة حلوى تسيل دماء القلوب الخافقة جمالا؛ وقفتها! وقفتها.. وحتى حديثها الذي لا يسمع إلاّ حسيسه يجذبه.
الثالثة، تأكل كطفلـة، لا تفصل يدها من فمها، ولكن .. ولكن خبيرة، صيادة، لا ترفع رأسها، وحتى حاجبها لا تحركـه، توظف تحكمها في دوران حدقتا عينيها في مقلتيها. تغمض عينيها وتهز رأسها، بين كل قضمة تقضمـه، و لقمة تضعها في فيها.
دلف إلى المقهـى رجلٌ ، وهو مسنّ ممتلئ الجسم، مترهل البدن، يبدو في الثانية والسّتين من عمره؛ وتطلع حولـه وقبل أن تصل عيناه إلى الجميع يقف إليه الجميع فـيحيـونه، ويرجعـون إلى مقاعدهم، يبتسم بملئ شفتيه، يجلس الرجل الكبير .. وثلاث نُدل من أمامه ويمينـه ويساره .. ينتظرون!
رأى في الركن غريبا، والذي ظـلّ جالسا! لم يقم ولم يحييه، وكأنه لم يلحظ بقدومه! انكمـش الرجل المسن وضمـر؛ وامتقع وجهه .. من حين إلى آخر يزر بعينه إلى هذا الكائن الغريب في الركن الأخير.
ثلاث فتيات والمسـن يختلسون ويتبادلون أدوار.. وهو منكب على قهوته.. لا يظهر علمـه بما يحدث، ويراقبهم موظِّفا أساليبه.. ومعتمدا على قدرته التي اكتسبها من طول الممارسة، في التتبع، .. ويهمس إلى نفسـه:
«إن النسـوة والمسنين من نبتـة واحـدة، مدى قدرهم ومكانتهم لا يُدركون إلاّ بما نمحنهم «نحن» الشباب من الاهتمام والتقدير، وكلما زدنا في اظهار المحبة والخضوع، افتتنوا وارتفعوا..
يبتسم الغريب، في الركن الأخير، يقف...
فيحدق بالجالسيـن ثوانيا...
يمر بمحاذاة الرجل الكبير، وبين نظرات الفتيات الثلاث، ويهمس وعلى شفتيـه ابتسامة غريبة:
«هكذا نصنع أقدارنا».
تطلع إليـه الرجل خلسـة، وللمرة الأخيرة بازدراء وبوجه متبلدٍ؛ نظرة جاحـدة.. فانكمش وجه الكبيروضمرتْ عضلات وجهـه.
ابتسم الشاب.. وعيناه في جوالـه..!
انتهت
الكاتب والقاص حمد موسي