كان لي أصدقاء يمتلكون ناصية الكلم، وأكثر مني قدرة في هندسة الكلمات وبناء تحف معمارية فريدة، يكتبون من حبر مشاعرهم، يتسللون إلى الروح ويلمسون الوجدان بما يكتبون: اختفوا كأنهم لم يكونوا في مقدمة من يكتب ويحاول أن يكتب..

كنت أحسدهم.. وأهم أسباب ممارسة الكتابة كانوا، ومازال طيف نصوصهم يعيدني إلى البدايات.

كتب صديقي عن لوعـة الهوى، وقال:

إني غريق في الهوى

أملي قليل في النجاة

هل تعرفين حبيبتي:

رجلا غريقا في الهوى

رجلا غريقا في الهوى

رجلا تعلق بالهوى

كانت ديانتـه الهوى.. حتى نسى:

أن الهوى نصف الجنون

حتى أراد لجهله، جعل الحياة

حدائقا وفنون..

ما بال هـذا الهوى؟!

ألـِ قتلنا! خُلق الهـوى؟!

إني غريق في الهوى

أملي قليل في النجاة

هل تعرفين حبيبتي: رجلا غريقا في الهوى؟.

____

كنا في أولي ثانوي عندما قرأ عليّ صديقي هـذه الرائعة، وأنا كرجل لا يجيد التعامل مع العاطفة، ولا يهتم بشأنها، ورغم ذلك حفظتها من يومها أي قبل خمسـة عشر عاما وما زلت أرددها بين فينة وأخرى.

بعد أشهر قليلة من هذه الرائعة، قرأ علي قصيدة حفظها عقلي باختياره، إذ يقول فيها:

أخبرتني عن موعد زفافها

أخبرتني عن الساعة.. والمكان

أخبرتني:

أنها آلت إلى تحفة في المزاد

يتقاسمها وحوش الزمان.

القصيدة طويلة ومليئـة في آلامها وعميقـة في أوجاعها.

كعادتي: أحوّل من العاطفة سخرية، و أصنع منها مادة للتهكم والمزاح الغليظ.. فأثقلت على صديقي: فكتب رداً، يطلب الرأفـة:

آهٍ إذ الآهاتُ لو تجدي

إذا كانت تساعدني..

لأنساها إلى الأبد

لأنسى أنني معها.. سبقت الناس للمجد.

اختفى صديقي بجمال مشاعره وعاطفتـه، وبجمال كلماته النابعة من روحه الصادقة، والمليـئة بالحب.. ولكن فتح أمامي الكثير من أبواب لم أكن أتخيـل أنني سأقف على عتبتـها!

أين أنت يا صديقي؟!

الكاتب والقاص حمد موسي

 

الكاتب والقاص

 /حمد موسي