يتمسك البعض منا بالمسلّمات لتمرير وتبرير عدد من الرؤى التي يؤمنون بها بل يذهبون لأبعد من ذلك من خلال توريثهم وترويجهم لتلك الأقوال المزعومة المعلبة التي تحمل صبغة المسلمات عبر ما يمتلكون من قوى مختلفة سواءً كانوا آباء أو مدراء أو عبر أدوار عملية واجتماعية مختلفة.

تُصنع بعض المسلمات وتروج بغرض تعزيزها وتكريسها حتى تغدو ثوابت، فتُشكل فكراً معيناً مع أو ضد قضية ما، أو شخص ما أو حتى مجتمع ما، فما يعرف بالقوالب الجامدة ما هو إلا مجموعة من المسلمات التي تم تثبيتها في عقول الناس في صالح أو ضد شيء ما. فيذهب معتنقوها إلى رفض أي محاولة لتغيير تلك المسلمات فيما يحاول المتضررون أن يفعلوا ما بوسعهم لإحداث تغيير في الفكر العام الذي تشكل بفعل تكريس مجموعة من المسلمات التي أحدثت ضرراً مباشراً بهم، وتعتمد عملية التغيير تلك على قوة ذلك التكريس، فيلجأ الكثير للتخلص من مسؤوليته بإحداث أو تحقيق ذلك التغيير بالزعم أن تغيير ثقافة ما لمجتمع ما يتطلب الكثير من الجهد وأن نتائجه تظل غير مضمونة، وبالتالي قد يكون من الحكمة عدم التعرض أو المساس بتلك المسلمات حتى أن البعض بدأ بإطلاق وصف ثوابت اجتماعية على البعض منها. 

( ١) 

«رب أخٍ لك لم تلده أمك»

قرأتُ هذه العبارة أعدادا تفوق التذكر، واليوم قرأتها في صفحة صديق، وأثارتْ رغبة البوح عما أضمرته في نفسي كلما صادفتُ العبارة (قراءةً أو سمعا). 

هل هناكـ أخ لم تلده الأم؟ 

لا توجد علاقة أقوى من الدم، وفي لحظة ضعف الإنسانية، وحينما تطغى الذات الجزئية على الكلية نتوهم بأنّ صديقا أقرب وأحق بنا من الأخ، وهذا الشعور ليس سوى ضعف لحظي ويستمر كلما تتوافر أسباب هذا الضعف.

الأخ قطعة من الوالدين (الأم والأب) الإفراط فيه انهاك للوالدين وعقوق لهما، فصلته (بالحب، والسؤال، وحتى الانفاق في عجزه)  برٌّ من أنواع البر للأبوين.

أما الصديق اختيارٌ وهبة، وهو جانبك الذي تجد نفسك فيه ويَعثر على مكنونك، ويُبعْثر هَواجسك الذاتية، وهو اكتمال يكمل قصورك الآدميّ؛ والصديق الذي لا تحببك تصرفاته إلى أهله في اعتناقك حب الأهل ويستحث فيك أحقيتهم  بك وبما تَملكه ... فإنه حتما سيدفعك إلى حبه دوناً عن سواه إلى أن يتصور العقل بأنه الأحق في أخوتك من دمك.

________ 

(٢) 

الصديق عند الضيق | الشدة

إن البحث عن وجوه مألوفـة حولك كلما ضاقت بكـ الحال وحاصرتك الظروف من أهم أسباب قياس الصداقة بالوجود الجسدي ..

 صديقي الجميل: ابحث بقلبك لا بعين لوّامة؛ فالقلب يبصر ما العين تبصره، وحتى وإن كانت وجوههم مغيبة، قد غيبها الجهل أو الظرف.

في بعض الحضور رفاه تغيّب الأفئدة، وكما أن كل غيابٍ ليس تعمدا، وقد يكون ناجما من تعسّر لا نعلمـه..

الشدة لا تصنع صديقاً ولا تعدمه، هي عرض يزول، مَن مكَّنته الظروف حضر وساهم، ومن أتتْ عليه ظروفه تعذّر، فتواجدَ قلبا. لا الرخاء ولا الشدة تحدد عمق الصداقة، وإلا مصالح يفسدها تغيّر الأحوال والظروف.

 

الكاتب والقاص /

حمد موسي