السابع والعشرون من شهر يونيو هو يوم خالد في تاريخ جمهورية جيبوتي ، يوم محفور في ذاكرة الشعب وعالق في محطات التاريخ ، يوم تتجدد فيه معاني الانتماء والهوية واللحمة الوطنية ، يوم عز وافتخار بجني ثمار نضال دؤوب وكفاح مستميت من أجل الحرية والكرامة ،يوم أزاح الجيبوتيون -بإصرارهم و وحدتهم- جدار الظلم الغاشم ، ففي هذا اليوم الأغر سطّر الجيبوتيون أنصع الصفحات في تاريخهم الطويل ؛فجعلوه يوما لإعلان استقلال بلادهم تحقيقا للأماني القومية و التطلعات الشعبية . هذا اليوم بقدر ما هو تذكير لمآسي الاستعمار ، وما كابده الشعب الجيبوتي الأبيّ من معاناة إنسانية وما صاحبه من قمع وتنكيل، هو أيضا مناسبة فريدة لإذكاء روح التعاون والتضامن الاجتماعي ، وفرصة سانحة لتقوية أواصر المودة والتلاحم الوطني . وبقدر ما هو يوم للمحافظة علي مكتسبات الاستقلال ومنجزات الوطن في الماضي التليد،إلا أنه أيضا يوم لتنشيط الذاكرة الوطنية وتأكيد تطلعات الشعب في المستقبل المجيد . فالاستقلال ليس حالة جامدة بل مرحلة مستمرة من الإنجاز والبناء، ولأن النجاح الحقيقي ليس في الحصول على الثمرة وبلوغ المراد، بل يكمن في المحافظة عليه والاستمرار في التجديد. فذكرى الاستقلال ليس مجرد يوم واحد فقط، بل حقيقة نعيشها كل يوم، لأننا كل يوم نواصل مسيرة البناء والعطاء مستمدين القوة من الآباء والأجداد، ومجددين العهد على المبادئ الوطنية والقيم الراسخة التي حملها الأسلاف. ذكرى الاستقلال وسيلة لشحذ الهمم وأخذ العبر للاستفادة من دروس الماضي للسير قدما نحو التقدم والازدهار، وأداة لتغذية روح الأخوة والتضامن والانتماء للوطن، وعنوان حرية يتغنى بها كل مخلص من أبناء الوطن. لم يكن أبداً طريق الاستقلال مفروشا بالورود بل كان شاقًا ومريرا، كما أن ترجمة هذا الاستقلال إلى واقع ملموس كان أشد هولا وأكثر تعقيدا ، ومنذ ذلك التاريخ بدأت قصة الصراع مع أمواج عاتية من التحديات والأزمات ،ولكن بفضل الله وبفضل تضحيات وعزيمة أبناء هذا البلد المعطاء صارت النتائج مفرحة ومبهرة . وها هو بلدنا في الذكرى السابعة والأربعين يرفل بوارف الأمن والاستقرار ، رغم الاضطرابات التي تحفه من الأقطار ، فيلقى الإعجاب والانبهار . سبع وأربعون من الثبات على مبدأ الوحدة والمساواة والسلام، سبع و أربعون من التناغم والتفاهم رغم التنوع الثقافيّ وتعدد الأفكار في المجتمع الواحد. لا يكفي الاحتفال بيوم الاستقلال أن يكون مجرد احتفال شكلي ، بل أيضا وقفة تأمليّة لتذكّر نعمة الأمن والأمان، والدعاء بالنصر والتمكين لأولئك الذين يعانون من ويلات الظلم والقهر، خاصة وأنه في هذا العام تأتي ذكرى الاستقلال في ظل ظروف استثنائية بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حيث تستأسد إسرائيل على مدنيين عزل وأطفال رضّع خارقة بذلك كلّ القوانين وكاشفة الوجه الحقيقي للسياسية الأمريكية . ومنذ اندلاع الحرب ما فتئت جمهورية جيبوتي - قيادة وشعبا - ومن منطلق إسلاميّ وإنساني تبدي تعاطفها الدائم وتضامنها الوثيق مع الشعب الفلسطيني الشقيق الذي تنهشه الذئاب البشرية على مرأى ومسمع الجميع. لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر. سيهزم الجمع ويولون الدبر . في ذكرى عيد الاستقلال لن يغيب عن مخيلتنا من لم يعرف معنى للاستقلال منذ عقود، أو لمن تحت الركام مفقود، أو في القضبان مسدود. رغم كل المآسي والآلام من هنا وهناك تبقى جيبوتي آمنة سالمة بحفظ وحماية ربانيّة. وما كان لجيبوتي أن تكون واحة غنّاء تنعم بالأمن وتهنأ بالسلام ، وسط محيط ملتهب لو لا إخلاص شعبها وعزيمة قادتها . وما كان لها أن تشق طريق التقدم والتطور في ظل تحديات جمة تتمثل في ندرة الموارد الطبيعية و اضطرابات الجوار, والتعافي من مخلفات الاستعمار, لولا الحنكة في استثمار نقاط القوة المتمثلة في العنصر البشريّ. في لحظة استحضار عبير الماضي المضيء وربطه بالغد المشرق ,نقول للأجيال الجديدة أن هذا الوطن لم يأت من العدم،فلنكن يدا واحدة،لا تفرقنا الأهواء،ولا تشتت جمعنا النزاعات , حتى يصبح بلدنا قلعة عصيّة تتحطم عليها كل المؤامرات. ستظل جيبوتي في تطور ونماء تحفها عناية الله وتحميها أعين ساهرة وسواعد وطنية مستلهمة قوتها من فكر وإصرار قيادتها. بقلم / موجى إبراهيم أبار