استيقظتُ من النوم فجراً، وفي احدى أذني سماعـة بلوتوث، أبتْ أن تنتزع نفسها من ضيق الأذن، فظلتْ طول الليل محبوسـة، تنتظر! قبل ما يسلبني سلطان النوم إرادتي كنتْ أستمع بها قصيدتي المفضلة (لاتصالح) لأمل دنقل. التفت نحو يساري، وإذا الجوال أرهقه الانتظار، ست ساعات لم يُتصفح، ست ساعات من الاهمال، وكيف له أن يتحمل هذا الجفاء من حبيبٍ يهمس في أذنه طول النهار، وتتغزل به أصابعه مداعبة وجهه الزجاجي الناعم.. لا يقتل العاشق إلاّ الانتظار والاهمال. التقطتـه! أكثر من نصف ساعة أقبل وجهها العاري بعيوني النائمة، انتقل من صورة فلانة جميلة الوجه إلى أخرى ممشوقة القوامة، وإلى الثالثة مكتنزة الفخذين، إلى رجل يضحكـ ويبكي معا بهستيريا، وأقف عند راقصة تهز أردافها ومؤخرتها.. أحك عيناي، وأجلس .. في احدى الصفحات الصديقة (بعُرف مارك) أصادف فيديو حفلة عرسٍ، فيها من المناظر ما يلخص ثلاثون دقيقة أهدرتها توا في التصفح، وقلت في نفسي: «ما كان لك أن تتأخري .. لـ وفرت علي وعلى عيني خمس وعشرون دقيقة». في الفيديو عـريس بين مئات النسوة، يرقص باستحياء، يخطو خطواته كرضيع، والعروسـة ترقص وتتطاير فرحا كأن بها مس من الجانّ. ورجل واحد بين كل هذا الكم من النساء اللواتي يرقصن وأصواتهـنّ عالية، وكأن في حنجرة كل منهنّ ميكروفون أم علي... يتصبب العريس عرقاً، تتصارع نبضات قلبـه، خفقان قلبه يلتقطه ميكرفون المصور، فلا تناوله واحدة منهن منديلا، وأما العروسة ملكة متوجـة: يتنافس إليها النسوة: احداهن تمسح عرقها، والثانية تزيل من على كتفها ما علق بها، والثالثة تنظم أطراف فستانها، الخامسة والسادسة .. والعاشرة .. هـو؛ يتمسكـ بأطراف أصابع زوجته، يتمنى لو أنّ رجلا أو امرأة تنقذه وتأخذ بيده إلى خارج هذا السرك المجهز والمعد لـه؛ تنقذه من براثن ابتسامات ساخرة، وتعليقات فتياتٍ على هندامه، أو طوله أو قصره، يبحث عن رجل ينقذه من عيون الراقصات الغيورات على صديقتهم وبنتهم منـه، ولسان حالهم يقول: ما هذا الجاهل؟! ---- خمس دقائق هذه أثارت شيطان عقلي؛ الحفلـة الكبيرة؟! الليلة الكبيرة؟! الفرحة الكبيرة!! تلك الليلة التي كل عروسٍ تعدها أهم ليلة في حياتها، ليلة العمر كما تسمى لديهنّ، هي أسوأ ليلة يقضيها الرجل رغم ما يحاول إظهاره من الفرح بالابتسامة. ليلة يدفع فيها من الطاقة ما كانت ستكفيه ما كُتِب له أن يتنفس في الحياة ..أسوأ ما في ليلة الحفلة الكبرى: - «أن الرجل يدفع كل أمواله لتتحول زوجته المستقبلية إلى راقصة محترفة، راقصة يدفع أجر رقصتها العريس؛ فتذاع سنينا على صفحات الميديا بكل أنواعها، يستعيد على أنغام تمايلها رجل أنهكته العزوبية والوحدة نشاطه وحيويته؛ يدقق في تفاصيل جسدها، واهتزازات جسمها الشبه العاري. الساعة الثامنة إلا ثلث، وأنا ما زلتُ على السرير انتقل من فيديو إلى أخرى، وأجهدني روح هذا الذكر العارية .. تعال أهمس أيها الذكر في أذنيك: احذر، أن تكون كرجل، تزوج راقصـة شعبية، يحضر كل عروضها الليلية في الملاهي، يتفاعل مع الحضور بكل هزة. لا تدفع تذاكر الحضور؛ وحدك مادام المتعة للجمهور. إنها إنها ليلة الرقص الكبرى، وليست ليلة الحياة!. تحذير إياك يا صديقي أن تصدق حرفا مما قرأته، بين الخيال والواقع، تضيع أحلام الرجال، طيب النفس الشعبي: يشك في سلامة عقل الكاتب، ولا يصيبنّكـ من جنونه شيء، فتندم. حمد موسى