إن الفوضى وغياب الأمن والنظام في الصومال تكمل العقد الثاني من عمرها، ومنذ عام 1991م الذي شهد ميلادها عقب سقوط نظام سياد برى، يسود عدم الإستقرار البلاد بعد أن تقطعت أوصاله وتعمق النزاع فيه على السلطة واجتاحته موجات حروب داخلية مأساوية تحركها المصالح القبلية ووقودها الشعب وكان من نتائجها ظهور زعماء الحرب وأمراء الفصائل الذين انتشر نفوذهم في كل منطقة وأصبح الوطن رهينة بأيديهم وكان ليأبى كل واحد منهم أن يسلم مناطق نفوذه إلا بالحديد والنار ولم يكن هناك غالب أو مغلوب في صراعات الفصائل أو ما يجرم استنساخ زعماء الحرب حيث كانت تجزء مقديشو العاصمة خطوط خضراء وحمراء وحواجز تفرض حظراً على التنقل وقد يتقاسم الحي الواحد فيها أكثر من زعيم ولكل واحد مصادره المالية التي تنتشر في الطرقات والأسواق على شكل نقاط التفتيش ولا يقدر أحد سواء كان ماشياً أو راكباً أن يتهرب منها إلا ميتاً وأصبح من حقهم امتلاك المطارات والموانئ وكافة ممتلكات وثروات الوطن وأموال الشعب أيضاً، ومن السهل عليهم إنتزاع الأشياء بقوة السلاح وليس بحكم القانون، ووصل الأمر إلى حد غريب وهو احتجاز القمامات والقاذورات في الشوارع والوقوف أمام أي مجموعة تريد إزالتها ومنعها إلا بعد دفع الإتاوات ، وكانت معاناة الشعب كبيرة من أرباب الحروب في عموم التراب الصومالي في اليابسة ولم تجد سواحل الصومال الطويلة من يحفظ أمنها ولذلك كانت تجري فيها عمليات الصيد غير المشروعة ودفن النفايات السامة، فيما انتشرت ظاهرة الهجرة عبر السواحل الصومالية إذ لجأ إليها أعداد كبيرة من المتشردين والفارين من ويلات الحروب وانعدم الأمن في الصومال بحثاً عن الاستقرار وحياة هانئة وكانت تنتهي أحلام كثير منهم في عرض البحر وإن استمرار دوامة العنف في الصومال الذي أصبح موطناً للصراعات أثّر مؤخراً على السلم الإقليمي والدولي بعد شيوع ظاهرة القرصنة في السواحل الصومالية وتزايد عمليات اختطاف السفن والناقلات من قبل القراصنة الصوماليين الذين قاموا بإصدار العنف والاختلال الأمني إلى البحار والمحيطات وعلى الرغم من أن الصيادين الصوماليين شكلوا بذور ظاهرة القرصنة إلا أنها أصبحت في الفترة الأخيرة مشكلة أكثر تعقيداً وتشكل تهديد حقيقياً للتجارة العالمية في ممر خليج عدن وباب المندب الذي يجوب مياهه القراصنة وهم أكثر عدداً وعدة من ذي قبل لأن عمليات القرصنة تحوّلت إلى صناعة رابحة وبطبيعة الحال تتعدد الأطراف التي تستثمر فيها، فكما أكد قائد القوات البحرية الفرنسية في المحيط الهندي الأدميرال مالان لوكالة "ا ف ب" إن القراصنة الصوماليين أصبحوا قوات شبه عسكرية حقيقية مجهزين بشكل جديد ومحترفين ففي لحظة يمكن أن يتحول بحارة وديعون على متن زوارق تقليدية مثلهم مثل آلاف صيادي السمك إلى قراصنة يخشى بأسهم مجهزين بـــ كلاشنكوف وبنادق هجومية وقاذفات آربي جي وأجهزة تحديد الموقع الجغرافي (جي بي اس) وهواتف خلوية، وهم لا يحتاجون سوى لربع ساعة لشن عملية على سفينة تجارية واحتجاز طاقمها ففي الماضي كان هامش تنقل هؤلاء القراصنة محدود بعشرات الكيلو مترات على طول السواحل الصومالية بسبب صغر زوارقهم، أما الآن فباتو يستخدمون مراكب مثل سفن شحن قديمة تجر أربعة زوارق سريعة وبإمكانهم هكذا مباغتة ضحاياهم في عرض البحر، حيث يعملون أحياناً في أماكن على بعد أكثر من 450 ميلاً بحرياً وهو المكان الذي خطفوا فيه ناقلة النفط السعودية وتعرف سفن القراصنة بوجود السلام على متنها لأن الصيد لا يتم بواسطة سلالم وذكر الأدميرال مالان مواصلاً كلامه أن الهدف الأول هو منع القراصنة من السعود إلى السفن التجارية واحتجاز طواقمها رهائن لأن إخراجهم بالقوة بعد ذلك عملية معقدة تتطلب وسائل غير عادية لتقليل المخاطر بالنسبة للرهائن وفرق الكومندوس والقراصنة أنفسهم ويقول المحلل الأميركي (كورنويل ) يمكن لبعض السفن أن تحمي نفسها بالأسلاك الشائكة حول جسم السفينة وباستخدام خراطيم المياه ذات الضغط العالي، وكما تذكر جريدة الشرق الأوسط فإن القرصنة منحت هذه المجموعة الفرصة في الحصول على مبالغ كبيرة من المال وتشكيل تنظيمات لديها إمكانيات للاختطاف والتفاوض، وإن مطالبة القراصنة بفدية قدرها 25 مليون دولار مقابل الإفراج عن الناقلة السعودية يوضح المدى الذي وصلت إليه طموحاتهم بعد أن أصبحوا أكثر جرأة وتضيف الجريدة أن هذه الأموال مكّنت القراصنة من قيادة سيارات فارهة والإنفاق ببذخ على إقامة الحفلات في منازل فاخرة واستخدام أحدث أجهزة الهواتف الجوالة والتزوج بالحسناوات وشراء أفخر أنواع الملابس وتحويل مدن ايل وجرواي وهرار ديري إلى بقاع مزدهرة يوجد فيها مطاعم تقدم جميع أكلات العالم للرهائن المختطفين، ويؤدي ذلك إلى لجوء أعداد من الشباب إلى الانخراط في هذا العمل لتحقيق حياة الرفاهية، ورغم تواجد السفن البحرية الدولية في منطقة خليج عدن وباب المندب إلا أن هذه الظاهرة أخذت في التزايد ويشكك بعض المحللين كيف نجحت مجموعات خارجة على القانون على الإفلات من قبضة تلك السفن وقدرات الاستطلاع الفضائية التابعة للدول الكبرى ولكن المؤكد كما تذكر الجريدة أن القراصنة تمكنوا من جلب الاهتمام الدولي والإقليمي بما يجري بالقرب من السواحل الصومالية المضطربة التي يصل طولها إلى 3700كم، وتطل على الملاحة الدولية القادمة من المحيط الهندي وبحر العرب وأن يعيدوا الاعتبار لأمن البحر الأحمر.
ولهذا تنعقد مؤتمرات دولية لمناقشة أنجع السبل لمحاربة هذه الظاهرة وفي هذا السياق يأتي إنعقاد المؤتمر الإقليمي حول تنفيذ مدونة سلوك جيبوتي بشأن محاربة القرصنة لصياغة إستراتيجية مشتركة ضد القرصنة ، ولكن ما تشهده البحار والمحيطات من عنف هو امتداد لدوامة العنف الداخلي في الصومال ولا يمكن السيطرة عليه تماماً إلا بالقضاء على مصادره وجذوره في الصومال.
عبد السلام علي آدم