كان هذا الطبيب الشاب، المولود في إحدى دول شرق إفريقيا، ينتمي إلى أسرة متواضعة تعيش في ظروف اقتصادية صعبة. لكنه كان يمتلك طموحًا كبيرًا وروحًا وثابة.

نشأ في بيئة تقدر التعليم، واستفاد من السياسات الحكومية التي دعمت التعليم المجاني والشامل، بدءًا من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية. ورغم محدودية الموارد، كانت دولته تضع التعليم كأولوية أساسية لبناء مستقبل مشرق لأبنائها.

بعد إنهاء المرحلة الثانوية بنجاح، حصل على منحة دراسية من الدولة للدراسة في إحدى الجامعات الكبرى في العالم، حيث كان يُعتبر من الطلاب المتفوقين.

انتقل إلى إحدى الدول الغربية المتقدمة التي تمتلك نظامًا تعليميًا رفيع المستوى، وهناك درس الطب على نفقة دولته.

قضى سنوات طويلة في تلك الجامعات المرموقة، محققًا إنجازات أكاديمية مبهرة.

بعد تخرجه، عاد إلى وطنه محملاً بالطموح ليكون جزءًا من عملية تحسين النظام الصحي وتقديم الرعاية الطبية لشعبه. عند عودته، قامت الدولة بتقديم الدعم له بكل الوسائل الممكنة.

حصل على وظيفة مرموقة في أحد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، حيث كان يحظى بتقدير زملائه واحترام المرضى. بالإضافة إلى راتبه الجيد، حصل على سيارة مقدمة من الدولة كجزء من الامتيازات، إلى جانب منزل مُجهز بجميع الخدمات الأساسية.

لم يكن مضطرًا لدفع ثمن الكهرباء أو الماء أو الاتصالات، حيث كانت الدولة تتكفل بهذه الخدمات للأطباء المميزين.

كان يُعتبر قدوةً للشباب، ورمزًا للنجاح الذي يمكن تحقيقه من خلال التعليم والإخلاص.

 لكن رغم كل هذا التقدير والدعم، لم يكن راضياً عن واقعه. كان يشعر دائمًا أن الفرص في الخارج أكبر، وأن بإمكانه تحقيق مستوى معيشي أفضل لو قرر الهجرة.

كان يرى أطباء آخرين هاجروا وسمع عن قصص نجاحهم المزعومة في البلدان الغربية، حيث يعتقد أن الحياة هناك أكثر رفاهية وفرص العمل أفضل. بعد تفكير طويل، قرر ترك وظيفته المحترمة في بلده والهجرة إلى الخارج.

 أقنع نفسه أن الحياة في الدول المتقدمة ستفتح له أبواب النجاح والثروة التي لم يكن يراها في وطنه.

باعتباره طبيبًا متميزا ، كان واثقًا أنه سيحصل على وظيفة متميزة في أحد المستشفيات الكبيرة.

لكن الواقع في الخارج كان مختلفًا تمامًا عما تخيله. بعد وصوله إلى الدولة الجديدة، اصطدم بواقع قاسٍ.

القوانين المعقدة والمطالب الصارمة في النظام الصحي الغربي،جعلت من الصعب عليه ممارسة الطب مباشرة.

كان عليه إعادة تقييم شهاداته وتقديم امتحانات إضافية للحصول على التراخيص اللازمة. وفي غضون ذلك، لم يتمكن من الحصول على وظيفة في مجال الطب.

أمام ضغوط الحياة اليومية والحاجة إلى المال، اضطر للعمل في مهن بعيدة كل البعد عن مجال تخصصه.

بدأ العمل كسائق سيارة أجرة، يعمل لساعات طويلة مقابل أجر زهيد.

ثم انتقل إلى العمل كحارس أمن، واقفًا لساعات طويلة في ظروف شاقة. وعندما لم يجد ما يكفي من المال لتغطية نفقاته، اضطر للعمل في نقل المواد الغذائية، متجولًا بين المخازن والمحال التجارية.

كلما مرت الأيام، بدأ يدرك أن حياته في الخارج لم تكن كما توقع. لقد تخلى عن وظيفة مرموقة ودخل ثابت، عن دعم الدولة له واحترام مجتمعه، وعن حياة مستقرة، ليعيش في ظروف صعبة ومهينة.

لم يكن ينعم بالرفاهية التي حلم بها، بل بالعكس، كان يعيش في ظروف مادية ومعنوية أصعب مما كان عليه في وطنه. في النهاية، أدرك الطبيب أن ما كان يعتبره سعيًا نحو حياة أفضل لم يكن سوى وهم.

 

بقلم الإعلامي شاكر عيليه جيله