بين الحياة والموت مسافة صفرية، وفي هذه المسافة الصفرية تمتد أحلام البشر، نخطط ونحب ونكره ونعادي، فـنجمع المال بلا رقيب ولا حسيب؛ ظانين بأنها حياة خلود.. فنموت! وكل ما فينا يموت. ويبقى ما صنعناه وزرعناه في الآخرين من الخير. -----

 القصة الأولى المرآة السوداء في غرفة ضيقة، تتسع لفرد واحد، وكرسي واحد؛ يتسلل ضوء القمر إليها كخيوط عنكبوت، يجلس شابٌ، يحدق بالكرسيّ... يمسكـ قلما، يضع سنه على الورق، فترتعش أصابعـه، يحدق في الكرسيُ وبالحائط الأبيض الصامت، ترتد إليه أنفاسـه المتسارعة. نظر إلى الورقة؛ أبيض!

 لم يهمس الحبر بين أسطره بكلمة، بل بنقطة ...

انفجر ضحكا، وانفجر حبر القلم واسود الأبيض: «إنّ أسوأ ما في الظلم التطبيع مع الظلم: أن يتماهى المظلوم بالظالم، فيظلم من هو أقل منه ومن هم تحت سلطانه، حينما يتمكن!

» حدق في الكرسيّ، وجدها تهتز، فرمى قلمـه…

..انتهت القصة الثانية صـورة لا تنعكس بالمرآة شاب في منتصف العمر، وسيم ومهووس في شكله، عظيم في نفسـه، يعيش وحيدا في قصر كبير وضخم بوسط حارة شعبيـة، يحاط بيته الفحم من جهات ثلاث ببيوت من زنكـ وخشب، وعند مدخل البيت خوخان من عصف النخيل، يؤوي عائلتين تتكون كل عائلة من سبع أفراد. يستيقظ، عندما ينتصف الليل ويمر على خمس مرآة تملؤ البيت، ليتابع تفاصيل وجهه الزجاجي الوسيم، ويبحث لو أن تجعيد بسيط طرأ أو حب شباب متطفل... 

وفي صباح أحد من أيام الخريف، وقف بكامل أناقتـه وكبريائه أمام مرآة في ساحة بهو المنزل، وتعطر بأفضل عطوره.

 فخرج مزهواً بنفسه، يترنح ، يخطو بخيلاء..

. أمسكـ براحة يده اليمنى أنفـه، غطّى بها شفتاه.. خوخان صغيران، ومجارٍ وبعوض، وأكوام مخلفات تفوقه طولاً...

 أين وماذا أفعل في هذه البقعة من الأرض!

 ماذا يفعل خوخان بمنطقتي ! من يسكن هذه الخراب النتن!!

 بدأ سكان الحارة يتهامسون، ويسألون:- من يكون هذا الرجل؟ قال أحدهم انظروا إليه، وما هذه الملابس الغريبة، يلبس قرطا في أذنه اليسرى؟!

 وقال آخر، تفوح منه روائح غريبة؟! وقالت مسنة تتكئ علي عكازها: كيف يفعل رجل سليم العقل بنفسه هذه المهازل؟! فاتجه ناحية منزله الفخم مهرولاً..

يستعجل الخطى، وفي نفسه يردد: ما أقبحهم! .. ما أقبحهم. بقلم الكاتب والقاص/ حمد موسى