نشأت (مفدا) في قرية صغيرة، هادئة، قرية حافظتْ على فطرة البداوة؛ وتحت كنف أم محبة ومتواضعة، تقوم فجراً لتساعد أمها؛ فيعدون الإفطار، يكنسون وينظفون المنزل، ويغسلون الأواني والأطباق... فيصحى الأب والإخوان مع طلوع الشمس.ِ ربتها أمها على قيم الطاعة، والخضوع والصمت للرجل، لأنها أنثى وفقط. تقدم لأسرتها رجل مسن من المدينة، خاطباً وطالباً ود شبابها.

معمّر، نشأ وشابت حياته في حضن مدينة.. مذ وطأت قدماه ترابها، تعلق بها، فأعطته كل نعيمها وطبع بضجيجها... قصير ونحيل، يحلق شاربه ولحيته؛ يصبغ شعره بالأحمر الغاني.. عابس الوجه مكفهر الروح.

وهي أطول منه ببضع سنتيمترات؛ ممتلئة الخدين، ناعمة الملمس.. تميل روحها إلى الابتسامة.

 أبلغتها الأم قرار والدها: « شهر ونصفه ما بقي لك في هذا البيت يا بنيتي، سنزفكـ إلى بيتكم الجديد بالمدينـة». لم تفتح فاها بكلمة.. أخرستها صدمة الخبر برهةوانهالت دمعتان على خديها، وقالت يا أمي: «هذا الرجل لن يحظى مني إلاّ الطاعة والصمت، وليس لي منه سوى الاغتراب، لا يسع قلبه شبابي، هو آخذ من حيوات قلبي، فأنا أخذة من شيخوخته، هو مدبر وأنا مقبلـة!» فردت عليه أمها: الصواب ما يقره أبوك، وإخوانكـ فارضي، ترضى نفسكـ وتطيب حياتك.

 وفي لحظة الفتوة الذكورية عقد عليها وهبته جسدها ووطأها شرعا، من يومها لم يسرها.. ضعف جسدها وهشّ عظمها انتفخ جسمه وتدلى كرشِـه فازداد بطشا عليها.. نمى خوفها لم تهنأ ليلة واحدة... (20) سنة و(6) أشهر كافحت صبرا؛ حتى ضاق صدرها صبرا.

وفي السادس والعشرين من يونيوأتمّتْ عقدها الخامس من العمر، فكرتْ... أرعبتها الفكرة.. ترددت: (رحم بِكر لم يحتضن جنينا.

وعلى جبينها ندبة عميقـة شوّهت جمالها.. وتجاعيد كسُحب خريف يغطي سماء جيبوتي والتي لا تمطر.

قررتْ أن تعيش؛ وأن تتغلب على خوفها منه. كسر كل الذي وصلتْ إليه يده في المنزل، الكوب الزجاجي، وفنجان القهوة وكرسي... وقال: أنا، من سليل السلاطين تتركني امرأة.. لا, لا يعقل!

أن تتخلى عني وعن حبي، ماذا كان ينقصها لتفضحني، رجل مثلي تخلعه امرأة!! صباح السابع والعشرون، خلعتــه. ليلة الـ (28): بات جائعا يَعُضّ إبهامه.

 

بقلم الكاتب والقاص / حمد موسي