اعتدنا أن نقيس العطاء بميزان الأخذ، كأن الخير معاملة تجارية: «أعطيتُ، فأين المقابل؟» لكن، ماذا لو جُرِّد العطاء من شروطه، وأصبح فعلًا نقيًا، بلا توقعات، بلا امتنانٍ منتظر؟ في عالمٍ يلهث وراء المردود، يبدو العطاء بلا مقابل فكرةً رومانسية، لكنها في الحقيقة قمة التحرر.

فالعطاء المشروط قيد، بينما العطاء الحر انعتاق. أنت تعطي لأنك تختار، لأنك تملك، لأنك تريد أن تكون جزءًا من دورة الخير. وهذا يتجلى بأوضح صورة عندما يتعلق الأمر بالوطن.

 الوطنية ليست مجرد مشاعر، بل مسؤولية تفرض عليك أن تعطي بلا انتظار المقابل.

أن تساهم في بناء مجتمعك، تحافظ على بيئتك، تهتم بجمال مدينتك ومنظرها العام، ليس لأن أحدًا سيكافئك، بل لأنك تدرك أن الوطن بيتك الأكبر، وما تفعله له هو امتداد لما تفعله لنفسك وللأجيال القادمة. 

المفارقة أن من يمنح بلا انتظار هو الأكثر اكتفاءً، بينما من ينتظر العائد يعيش في قلق الاستحقاق.

 التوقعات عبء، والخذلان نتيجة حتمية لكل من أعطى بانتظار الرد. فلماذا لا نجرّب أن نعطي لأجل العطاء نفسه، لا لأجل صدى الشكر؟ العطاء لا يعني السذاجة، بل القوة. القوي هو من يمنح لأن قيمته لا تتحدد بمديح الآخرين، بل بصفاء نواياه.

 والعجيب أن الكون في دورة غير مرئية، يُعيد الخير إلى صاحبه بأشكال لا تُحصى.

 الوطن يستحق منا أن نعطيه بلا انتظار، أن نكون جزءًا من تطوره ورقيه دون أن نبحث عن مردود شخصي.

فحين نزرع شجرة، أو نحافظ على نظافة شارع، أو نساعد محتاجًا، فإننا لا نبني الوطن فقط، بل نبني أنفسنا أيضًا. *جرّب أن تمنح بلا انتظار، وستكتشف أن العطاء ليس ما تفعله للآخرين، بل ما تفعله لنفسك أولًا.

 

 بقلم الكاتب/مهد عبدي روبله نائب رئيس قسم ويب ميديا اذاعة وتلفزيون جيبوتي