تأتي الزكاة، من حيث الترتيب في أركان الإسلام الخمسة، بعد ركني الشهادتين والصلاة، لتشكل أحد العناصر الجوهرية في التشريع الإسلامي الذي لا يقتصر على تنظيم حياة المسلم الدينية فقط، بل يمتد ليشمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشكل متكامل.
هي فريضة دينية تلامس كل جوانب الحياة، وتعدُّ أداةً قوية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.ومع ذلك لا يمكن فصل الزكاة عن هدفها الرئيس في تقليص الفجوة الاقتصادية بين الطبقات المختلفة، حيث تُعتبر الأداة الأكثر فاعلية في مواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأفراد والمجتمعات.
إن الزكاة، كونها عبادة مالية، تضطلع بدور محوري في الحد من الفقر والبطالة، كما تساهم بشكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي للفقراء والمساكين وغيرهم من المصارف الشرعية الثمانية الواردة في القرآن الكريم.
بفرض الزكاة على المسلمين القادرين، فإنها تضمن توزيع الثروات بشكل عادل، مما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويخلق بيئةً اجتماعية متكافلة.
من خلال الزكاة، تتحقق العدالة الاجتماعية، حيث تُحسن من مستوى المعيشة وتخفف من معاناة الفقراء، وتعزز من روح التكافل الاجتماعي، مما يساهم في تقوية أواصر التعاون بين الأفراد.
الزكاة لا تقتصر فقط على كونها فرضًا دينيًا، بل هي أيضًا فعل جماعي يتجلى فيه الشعور بالأخوة والتعاطف، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويوحد المجتمع في مواجهة التحديات.
إضافة إلى ذلك، تعد الزكاة تطهيرًا للمال وتزكيةً للنفوس. فهي تخلص المال من الشح والبخل، وتُجسد قيمة التعاون والعدالة، كما تطهِّر قلب المزكي من الجشع وحب المال، وتُرسخ في نفسه قيم الإيثار والرغبة في تقديم الخير للآخرين.
ومن هنا فإن الزكاة ليست فقط وسيلة لمساعدة المحتاجين، بل هي أيضًا دعوة للمزكي نفسه لتقوية صفاء نيته والتخلص من الأنانية.
ومن بين الحكم الإلهية العميقة من فرض الزكاة على القادرين، نجد أنها تعمل على حماية المجتمع من الآثار السلبية المرتبطة بالفقر، مثل الجرائم والتوترات الاجتماعية.
إذ حين يتلقى الفقراء الدعم المناسب، فإن من شأن ذلك أن يخفف من الضغوط الاقتصادية عليهم، ويعزز من استقرار المجتمع بشكل عام، مما يحمي المجتمع من التفكك في نهاية المطاف.
إن الزكاة ليست مجرد فريضة دينية، كما قد يتصور البعض، بل هي ضرورة شرعية تهدف إلى بناء مجتمع متوازن يتسم بالتكافل والتراحم، مما يفرض على المسلمين أداء هذه الفريضة في وقتها، وبالشكل الصحيح، وتبقى الزكاة بالتالي عنصرًا أساسيًا في تشكيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي. وفي جمهورية جيبوتي، تتجسد أهمية الزكاة بشكل واضح من خلال مبادرة رئيس الجمهورية، السيد إسماعيل عمر جيله، لإحياء هذه الفريضة التي تراجعت بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة.
فقد تم إنشاء «مؤسسة ديوان الزكاة» منذ عام 2004، بهدف تفعيل نظام الزكاة في البلاد من خلال جمع الأموال المستحقة من الأفراد والشركات وفقًا للضوابط الشرعية، ثم توزيعها بناءً على معايير واضحة تضمن وصول الزكاة إلى مستحقيها. وتُسهم هذه المبادرة في تعزيز التضامن الاجتماعي ومكافحة الفقر، بما يعزز من قدرة المجتمع على مواجهة التحديات الاقتصادية.
وقد كان لديوان الزكاة دور بارز في دعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة التي تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للأسر المتعففة. من خلال توفير الدعم للأسر الراغبة في تطوير مشاريع صغيرة، يتم تمكينها من تحسين دخلها ورفع مستوى حياتها. هذا الدعم يعكس رؤية ديوان الزكاة في تعزيز الاستقلال الاقتصادي للأفراد وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومع مرور الزمن، تزداد الحاجة إلى وجود مؤسسات متخصصة في تقديم خدمات الزكاة والعمل الخيري، خاصة في هذا العصر الذي تتزايد فيه الأصول الاقتصادية الحديثة مثل الأسهم والعقارات والمال الرقمي. وفي هذا السياق تمضي مؤسسة ديوان الزكاة قدما في جهودها لضمان تطبيق الزكاة بشكل دقيق وشامل، بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية الحديثة، ولتواكب التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم في المجالات المالية والتقنية. أخيرًا، يجدر التأكيد على أن التزام المجتمع بإحياء فريضة الزكاة وتطبيقها بالشكل السليم لا يعد مجرد واجب ديني فحسب، بل يمثل استثمارًا حقيقيًا في تعزيز روح التعاون والتكافل بين الأفراد، كما أنه يساهم بشكل فعال في بناء مجتمع متوازن يسوده التضامن والتعاضد. بقلم/ محمد عبد الله