على حين غرة أدرك «الزعيم» أن شهر رمضان باغته هذه المرة دون علمه، غالبا ما كان يتحرى عن قدومه، وكان يتحسس عن أخباره قبل شهر أو شهرين تأسف كثيرا لارتكاب هذا الخطأ ..
وصل إلى بيته متأخرا كعادته بعد سهرة طويلة ماجنة، وقف أمام بيته ليفتح الباب ولمح الإنارة تضيء المطبخ صار الدم في عروقه قال : وهو يستشيط غضبا أي أسد يدخل بيت الزعيم ليسرق ما هذا ؟
أهو انتحار أم جرأة؟ تسلل إلى الداخل خلسة ليمسك باللص .. يقف على عتبة باب المطبخ ليجد زوجته تعد أواني السحور، اشتد غضبه أكثر وقال : بشيء من النرفزة ما الذي تفعلينه يا إمرأة هنا في هذا الوقت المتأخر؟
قالت: وهي تميل إليه نصف التفاتة يازعيم أعد لنا السحور ماذا؟ بحق الله هل أنت مجنونة؟ على ما تتحدثين يامرأة؟ ألا تدري يازعيم أننا في أول ليلة من رمضان، سكت برهة يعبث بيده بطرف شاربه الكثيف على شكل هلال بعصبية
وقال : بشيء من الحدة والغضب من يمنعني منك يا عبود يا كلب؟ أنا لست الزعيم إذا لم أمسح بك الأرض. من عادة الإمام عبود أن يزور الزعيم قبل يوم أو يومين من شهر رمضان لتنبيهه بقرب رمضان للاحتياط. الزوجة : تقصد الإمام عبود؟ الزعيم : هذا ليس شأنك يامرأة؟ الزوجة : حرام عليك يازعيم على الأقل نحن في رمضان. الزعيم : قلت لك هذا ليس من شأنك اهتمي بأمورك؟
الزوجة : يا زعيم ليس من طبعك ضرب الناس والنيل منهم في هذا الشهر، إعطاء الأمان ومساعدة الآخرين هو ما يعرفه منك الناس في هذا الشهر، بالذات أهالي حارتنا الذين تعودو على عطفك عليهم وكرمك معهم في هذه الأيام المباركة. الزعيم : هيا ..
لست بحاجة لتنقبي من ذاكرتك المهزوزة خصالي، وأنت تعرفين جيدا أنني رجل يكره التحرش في الماضي، أقول أنفذ، آمر ينفذ. الزوجة : حسننا جهزت للسحور شوربة العدس المفضل لديك مع بعض من الخبز والزبادي، للتحلية كيكة بالكريمة وطاحونة الخروف.
الزعيم : حسنا فعلت، أخرجي لي من صندوق الملابس الطاقية والقميص والعمة والمسبحة ولا تنسي كتاب القرآن الكريم، وجهزي أيضا ما في الخزينة من الفلوس لنوزع غدا الصدقة على المساكين والفقراء، أعطى تعليماته للزوجة وهو يقصد دورة المياه.
من طبع الزعيم أن يجتمع قبيل شهر رمضان الكريم من كل عام مع أعضاء عصابته الذين يعملون لصالحه، كما يأمرهم بدعوة اللصوص والسكارى، من الحارة الأولى والثانية، بهذه المناسبة يعطي الزعيم تعليمات دقيقة، تنفذ حرفيا، خلال شهر رمضان الكريم، ومن تعليماته منع الرزيلة بمختلف أنواعها في الحارة منها السرقة، وشرب الخمر في نهار رمضان، وفي الليل من يتعاطى الخمر في بيته فعقابه على الله.
حدث في رمضان الفائت أن سطى أحد اللصوص نهارا منزلا في الحارة، فسمع أحد الفتوة صياحا من داخل المنزل فدخل وقبض على اللص وأتى به إلى حضرة الزعيم فغضب الزعيم من جرأة اللص على عصيان أوامره، وأمر فورا بربط اللص على عمود الإنارة الكهربائية حتى يخرج الناس من صلاة العصر، تجمهر أهالي الحارة بعد صلاة العصر حول اللص المربوط ، أتى الزعيم ومعه حاشيته وأعيان الحي الأول، الزعيم : يسأل اللص لماذا؟
قمت بسطو المنزل جهارا نهار وعصيت تعليماتي؟ اللص : الرحمة يازعيم كنت مخمورا.
الزعيم : ينادي أحد الفتوة ائتني مقصا من الدكان. الفتوة : تحت أمرك يا زعيم أي نوع كبير أم متوسط؟ الزعيم : طبعا الكبير الذي يكفي لقطع اذن هذا الكلب قام الزعيم أمام جمهرة من أبناء الحارة بقطع طرف الأذن اليسرى من اللص ورماها للكلب، عقابا له على إرتكاب جريمة السطو على المنزل، وجريمة شرب الخمر، وتحديه الصارخ لتعليمات الزعيم ليكون آية لمن خلفه.
قضى الزعيم أول يوم من نهار رمضان هذا العام نائما، كالعادة قام قبيل المغرب، وقصد المسجد للفطور مع الجماعة، وصلى فريضة المغرب خلف الإمام عبود، بعد الانتهاء من الصلاة، ربط الزعيم يده على كتف الإمام عبود ثم إلى عنقه ضغطة جعلت يميل راسه إليه، وهمس في أذنه
قائلا : حسابي معك عسير يا عبود، ثم انصرف وسط المهنئين له بقدوم شهر رمضان المبارك، وعلى بعد أمتار من باب المسجد يجلس محمود الكهل السكير الذي لا يفيق يجلس على كرسي سميك وبيده قنينة خمر وهو يغني «مرحب، مرحب يا رمضان ويوم حبابك يارمضان»
الزعيم : يقترب ويقول : ماهذا يا محمود؟ محمود : يا زعيم للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه.
الزعيم : يستشيط غضبا ويقول بنبرة غضب : للزعيم لكمة تنسي السكير فرحته الأولى يا كلب وأتمنى أن تسلمك إلى الفرحة الثانية .. يسدد له لكمة يفقد معها الوعي ويقع مغشيا عليه، ويهتف الجميع للزعيم ويدعون له بطول العمر، والعافية ويثنون على حرصه الشديد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بقلم / محمد عتبان