يتعمد الناس نسيان كل ما تقدمه من أجلهـم، ستغلب زلاتكـ فضائل أخلاقك إلى أن تأتيك المنيّـة، حينها فقط سيتنافسون في ذكر محاسنكـ وتضحياتكـ... ليس هذا اعتراف منهم، وإنما العجز أمام الموت. HMK ------ خرجتُ مرهقا من دوامي المسائي، وكعادتي أهرب إلى أحضان سمراءٍ، لا تردني كلما اطلب ودها، لا تمل حضوري الطويل، ولا تعتب على غيابي غير المبرر؛ تنظر في الغياب مشتاقة، وتؤنسني في حضور، طلبتها اليوم وعلى عقلي من الأحمال ما يهد النفس. استقبلتني! لم تسأل.. ولم أقل لها شيئا عني! حدثتها بصمتي.. فأحسنت الإنصات، تابعتْ تقلبات وجهي وفهمتْ أنني «لست بخير» لم تقترب، ظلت في مكانها تتأمل تجاعيـد أفكار متضاربة أمواجها يعلو ويخفت لجها. نظرتُ إليها، وعلى خديها ندبتان سمراوان فأغرتني الندبتين، مددتُ يدي ممسكًا يدها، فسرت في جسمي قشعريرة، قرّبتها إلى متناول شفتـيّ مستنشقا عبق رائحتها والمعتق بالكبرياء ... قبلة واحدة على شفتيها، تمنح حياة فردوسية، تعالج الاكتئاب الحاد والمزمن، وما يلتصق من طعمها في اللسان يروي الروح.. رشفت منها رشفـة وثانية وثالثـة ... انتبهت إلى من حولي، نساء يتحرشن بالرجال بنظرات غير خجولة، ورجال يهمسون فيما بينهم يغتابون صديقا قام توًا من مجلسهم. رفعتها إلى محاذاة أنفي، واستنشقتُ عطرها الفريد، عانقتها براحة يدي، حتى اختنقتْ، وصرختْ، بصمتها:- «في الحب ما يقتل... يا حبيبي!» أخذت آخر ما تبقى في حجرها، فأعدتها حيث كانت بعدما أفرغتها، وأنعشتْ تفكيري. ارتوتْ ذاكرتي، فتحركّ العقل من ثباته، وتساءل: ما الذي يحتاجه الإنسان العادي؟!! البحث في حاجة الإنسان، كالبحث عن قطعة معدنية في كومة قش من شجر السدر، ولكن خمس رشفات من اسبيرسو السمراء تحيل العقل إلى التفكير بما لا يمكن! الإنسان في نشأته اجتماعي وفي تكوّنه الجينيّ فرديّ، بحسب الولادة يكتسـب حب الذات ومنه يتولد في خِلقتـه الحرية الفردانية، وأما من النشأة الاجتماعية يكتسب مهارة التواصل والتعاون؛ مما يخلق في الإنسان روح الانتماء إلى الجماعـة أيْ الاحساس بالتكامل ضمن الجماعة. بين الفردانية التكوينية والجماعية التي يكتسبها من النشأة، تتولد مفارقة الحاجة الإنسانية، من بين الحرية الفردية والحرية الجماعية تنشأ مساحة توافقيـة، منطقة التقاء الحاجتين (الفردية والجماعية).. معضلة (الأنا – والنحن) من ناحية وإشكالية (الـنحن والآخر) من ناحية ثانية. لا تتحق (الأنا) إلا في ظل اعتراف الجماعة لهذا الفرد حتى يتمتع بـ (الـ نحن)، ما يعني أن الإنسان يحتاج لاعتراف الجماعة بذاتيته كفرد منهم وفيـهم:- نخلص من التفلسف الإسبريسي السابق وغير مفهوم لي أولا وقبل القراء، أن الإنسان بـحاجـة اعتراف الجماعة به ولكينونته الفردية، للانتماء. إذ يرتب على هذا الانتمـاء الإحساس بالتقدير. أكثر ما يحتاجه الإنسان في الحياة هو التقدير. (الأنا) المعترف به = الانتماء إلى الجماعة ومن هذا الانتماء يتولد شعور التقدير، وبه سعادة الذات. بقلم الكاتب والقاص حمد موسي