ما أن تخرج الشمس من مخبئها وتصافح الأرض بأصابعها الدافئة وتغمر البشر بنورها الساطع وتبث فيهم النشاط والقوة حتى يهب كل واحد إلى عمله طلباً للرزق ولطلب الرزق في هذا العصر أشكال وفنون فالبعض يكدون ويشقون حتى يوفروا لقمة العيش الكريمة لأنفسهم ولأهلهم والبعض الآخر ينتظر ما تجود به تلك الأيادي الكادحة من فرنكات فكم صادفت في الشوارع هؤلاء الأطفال الحفاة الشبة العراة الذين يلتحفون السماء ويفترشون التراب أحزنك منظرهم الباكي وتمنيت لو تبرعت لهم بكل ما تملك أو تمنيت أن يكون لديك مال قارون فحينها لن تتردد عن كسوتهم وإيوائهم وإطعامهم وكم أدمت فؤادك صورة ذاك الشيخ الطاعن في السن وتلك العجوز التي انحنى ظهرها وفقدت نور بصرها وبعضاً من سمعها فعضيت شفاهك آسفاً واحمرت وغرورقت عيناك دمعاً وتمثلت بقول سيدنا علي بن أبي طالب "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو "هل كل هؤلاء الذين نراهم صباح مساء أخرجتهم الحاجة أم أنهم امتهنوا التسول وفضلوا مد الأيادي للآخرين بدلاً من عرق الجبين" الجواب هو نعم: فالحاجة والعوز أخرجت هؤلاء من ديارهم وأجبرتهم على طلب الإحسان من الآخرين رغم أن الكثير منهم يتمتعون بالصحة والقوة والشباب، لكن تعددت الحاجات والتسول واحد، فهذا يتسوّل ليجد ما يسد به رمقه ورمق عياله وذاك يبحث عن ثمن الدواء، وذاك يتسول ليضمن ثمن القات او المخدر، وذاك يكنز ويحوش الفرنكات ولسان حاله يقول الفرنك الابيض ينفع في اليوم الاسود، ومتسول اليوم يختلف عن متسول امس الذي كنا نراه غريبا رث الثياب مغبرالوجه نحيل الجسد فكثيرا ما نراه متأنقا مثقفا في بعض الاحيان لحوحا في الطلب فهو لا يغادرك حتى يحصل على مراده والغريب انه يحدد المبلغ الذي يريده، ويحاصرك من كل الجهات فمرة ياتيك طالبا"اللحاق بالباص"ومرة ثمن العشاء ويحدث ان تصادف الواحد في اليوم اكثر من مرة ويطلب منك نفس الشئ في كل مرة .والتسول افة من افات ومرض عضال من امراض المجتمع التي استعصى علاجها على معظم الدول، ويساهم التسول في نشر الجريمة وادمان المخدرات فعندما لا يجد المتسول ثمن المخدر بالاحسان فانه يطلبه بالطرق غير المشروعة كالسرقة وقد يرتكب جريمة اكبر من السرقة كأن يقتل او ان يتسبب بعاهات دائمة للآخرين،كما ان التسول يزيد من اعداد اطفال الشوارع هؤلاء الابرياء الذين امتهنوا التسول منذ ان فتحوا عيونهم على عالم الجريمة وادمان المخدرات،فنرى الواحد منهم مادا يده اليوم بطوله لاليشتري به طعاما او قطعة حلوى انما ليجمع ما يشتري به مخدرا ينسيه الآم وكآبة الواقع الذي يعيشه وكعلاج اولي يجب علينا ان لا نعطي مالاً لهؤلاء الأطفال حتى لا يشجعهم على ذلك التسول وبدلاً من ذلك يجب أن نشتري لهم طعاماً أو حلوى وبذلك نساعدهم في إيجاد حلول أو إن كانت رمزية لهذه الآفة، كما أن غيجاد فرص عمل للعاطلين من شأنها أن تساهم في القضاء عليها وقبل كل ذلك يجب أن تكون لدى المتسولين الرغبة الاكيدة في العمل والاعتماد على النفس.
صفية عبد الله أحمد