في عالم مزدحم بالعلاقات المتداخلة،حيث تتشابك المشاعر مع النوايا،وتُختبر الأخلاق في كل منعطف،تبقى حقيقة واحدة تفرض نفسها بقسوة: ليس كل من أحسنت إليه، سيحسن إليك يقال في الحكمة: «إطعام الأفعى العسل لن يُغير من طبيعتها المسمومة». وهي عبارة تُلخص بمنتهى البساطة والعمق حقيقة مُرة في عالم البشر: أن بعض النفوس، مهما أحسنت إليها، لا ترى فيك سوى فريسة، ولا في إحسانك سوى فرصة للغدر. إن من الناس من يشبه الأفاعي في لطف المظهر وحدة الطبع؛ يزحف إليك في وداعة، يهمس بأرقّ العبارات، ثم يلدغك حين تغفل عنه أو تثق به. هؤلاء لا يغيّرهم جميل المعاملة، ولا تصلحهم الكلمات الطيّبة. تبذل لهم الحنان، فيردّونه جحودًا. تفرش لهم قلبك، فيطؤونه دون تأنيب. إن هذه الحقيقة، مهما كانت موجعة، ضرورية للفهم والحياة. ففي سعينا الدائم نحو بناء علاقات إنسانية قائمة على المودة والتعاون، يجب أن ندرك أن هناك من يرفض أصلًا الانخراط في هذا الجهد المشترك. هناك من لا يرى في الود قيمة، ولا في الصدق ضرورة، ولا في الوفاء عهدًا ينبغي احترامه. والحكمة هنا ليست في الانسحاب من الخير، أو التحول إلى القسوة، بل في التمييز. في أن نضع إحساننا في موضعه، ونختار لمن نهب ودنا من يقدره ويصونه. فالخير لا يضيع إن وضع في أرض خصبة، لكنه يهدر إن أُلقي في صحراء قاحلة لا تعرف الإزهار. ولعل من المهم أن نتحلّى بالرحمة حتى لهؤلاء، لكن رحمة العارف اليقظ، لا الساذج المخدوع. رحمة تدرك أن التغيير لا يُفرض، وأن من أراد أن يظل في ظلمته، لا سبيل لإجباره على النور. فليكن ودّنا ذخيرة للصادقين، ولطفنا جسرًا للمخلصين، ولتكن قلوبنا مفتوحة، لكن بوعي وبصيرة. فليس أصعب على النفس من أن تهب جمالها لمن يلطّخه، ولا أجمل من أن تعطيه لمن يزهر به ويعيده إليك مضاعفًا دفئًا وبهاء. بقلم شاكر عيليه جيله