منذ إعلان استقلالها عام 1977، لم تتردد جمهورية جيبوتي في اتخاذ موقف واضح وصلب تجاه القضية الفلسطينية، إيمانًا منها بأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني هو ظلم تاريخي يجب أن ينتهي، وأن فلسطين ليست مجرد قضية إقليمية بل هي جوهر العدالة في النظام الدولي المعاصر. وقد رسخت جيبوتي هذا الموقف منذ البداية، فكانت من أولى الدول التي أعلنت دعمها الصريح لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والعيش بكرامة داخل دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف التاريخي لم يكن فقط نتيجة انتماء عربي أو إسلامي، بل هو انعكاس لرؤية استراتيجية وأخلاقية تنطلق من مبادئ القانون الدولي، وتؤمن بأن غياب العدالة في فلسطين هو سبب أساسي في اختلال ميزان السلم العالمي. تحت قيادة فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله، تعزز هذا التوجه، حيث تحوّلت فلسطين من قضية تضامن تقليدية إلى بند دائم في أجندة الدولة الجيبوتية، لا يخضع لأي مساومة سياسية أو ابتزاز دبلوماسي. لقد عبّر الرئيس جيله في مختلف خطاباته الوطنية والدولية عن تمسك جيبوتي المطلق بحقوق الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن هذا الموقف ليس مجرد واجب ديني أو قومي بل هو موقف مبدئي ينبع من ضمير الإنسانية ورفض الظلم والاستعمار. وقد لعب فخامته دورًا محوريًا في تثبيت مكانة جيبوتي كدولة مناصرة للقضية الفلسطينية في كل المنتديات الدولية، من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، وكان من الأصوات الإفريقية القليلة التي لم تنحرف عن هذا الخط رغم الضغوط الدولية المتزايدة. وقد ترجمت جيبوتي هذا الالتزام إلى مواقف دبلوماسية واضحة في كل محطات التصويت الدولية، حيث كانت دائمًا في صف فلسطين، رافضة سياسات الاستيطان، وقرارات تهويد القدس، وعمليات الحصار والعقاب الجماعي المفروضة على الشعب الفلسطيني. كما رفضت بشدة نقل السفارات إلى القدس أو أي محاولة لتغيير وضع المدينة القانوني والتاريخي، واعتبرت القدس الشرقية عاصمة أبدية لدولة فلسطين، لا يمكن المساس بها أو التنازل عنها. وما زاد من رسوخ الموقف الجيبوتي هو البعد الشعبي الذي يتكامل مع الخط الرسمي، حيث كانت فلسطين حاضرة في الوعي العام الجيبوتي، في الإعلام، وفي منابر التعليم والدين، مما يعكس تلاحمًا حقيقيًا بين الدولة والمجتمع في دعم هذه القضية. وقد عملت الحكومة الجيبوتية على تعزيز هذا الوعي من خلال استضافة فعاليات تضامنية وتخصيص مناسبات وطنية لإبراز معاناة الشعب الفلسطيني وصموده. وفي المحطات الأكثر مأساوية، عندما تعرض قطاع غزة لسلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية، وقفت جيبوتي موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا متقدمًا، إذ أدانت بشدة العدوان المتكرر على المدنيين العزل، وطالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته كاملة تجاه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في غزة. لم يكن موقف جيبوتي عابرًا، بل جاء في بيانات رسمية قوية صدرت عن رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، ورافقتها تحركات دبلوماسية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم جهود وقف إطلاق النار، ورفع الحصار، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة. كما دعا الرئيس إسماعيل عمر جيله بصراحة إلى تحرك عاجل من أجل وضع حد للعدوان على غزة، واعتبر الصمت الدولي تواطؤًا لا يمكن قبوله، وعبّر عن أن القضية الفلسطينية أصبحت مرآة تعكس مدى التزام العالم بقيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان. في هذه اللحظات، أثبتت جيبوتي أنها ليست مجرد دولة متضامنة، بل شريك فعلي في الدفاع عن الحق الفلسطيني، وشاهد حيّ على الظلم الذي يتعرض له هذا الشعب منذ عقود. إن موقف جيبوتي من القضية الفلسطينية لم يتغير بتغير الظروف ولا تبدل بتقلب المصالح، بل ظل ثابتًا وراسخًا لأنه ينبع من قناعة راسخة بأن لا سلام عادل دون عودة الحقوق لأصحابها. وفي ظل القيادة الرشيدة لفخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله، أصبحت جيبوتي نموذجًا لدولة صغيرة في الجغرافيا، لكنها كبيرة في مواقفها ومبادئها، تمارس دورها الإقليمي والدولي بضمير حر، وإرادة مستقلة، وانحياز واضح للعدالة. فلسطين ستبقى في قلب الدبلوماسية الجيبوتية، والقدس ستظل حاضرة في ضمير الأمة الإسلامية، ولن تتراجع جيبوتي عن هذا الموقف طالما أن هناك طفلًا محاصرًا في غزة، أو لاجئًا محرومًا من العودة، أو مقدسيًا يواجه التهجير والتهويد. هذه ليست فقط قضية خارجية بالنسبة لجيبوتي، بل جزء من هويتها ومبادئها في السياسة الدولية. أحمد الشامي كاتب ومحلل سياسي لشؤون شرق أفريقيا