طلب مكتب من اليوم الأول ليس من العيب أن يبدأ الإنسان عمله بدون طاولة أو بدون مكتب، فكم من كبار المسؤولين اليوم بدأوا حياتهم العملية بدون مكتب أو طاولة. إن الإصرار عند البعض على مكتب فخم في اليوم الوظيفي الأول ليس من العمل وليس من الإدارة. فما بال الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا رأوا أن المكتب غير مناسب لعملهم أو غير مناسب لما يتصورونه لأنفسهم من مكانة إدارية أو اجتماعية أو شخصية. قرأت من تاريخ الكاتب والإداري الكبير الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي أنه قضى في بداية عمله بجامعة الملك سعود فترة طويلة بدون مكتب وطاولة، ومع ذلك كان فخورًا بوظيفته حسب كلامه، ولم يضيع دقيقة واحدة من دوامه. وقد يستغرب البعض إذا قلنا أن مكتبة الجامعة كانت خلال تلك الفترة مكتبه الذي يداوم فيه من الثامنة صباحًا إلى الثانية ظهرًا من كل يوم. لا ننكر أهمية المكتب لأي مؤسسة، فإن جميع أنواع المشروعات سواء كانت اقتصادية أو زراعية أو صناعية أو أي نشاط آخر لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تستغني عن نشاط المكتب. لكن الذي نستنكره هو أن يتوقف عمل الموظف لأنه لم يوجد مكتب خاص به. كثيرًا ما نجد أو نسمع من الموظفين عندنا، خاصة المستشارون منهم، يبقون في بيوتهم وقت الدوام بحجة عدم وجود مكتب مناسب لهم أو بحجة عدم وجود مهام موكلة إليهم. نقول لأمثال هؤلاء إنه يمكن العمل بدون مكتب خاص، خاصة مع التطور التكنولوجي والتحول نحو العمل عن بعد. وقد يكون العمل بدون مكتب خيارًا صحيحًا إذا تم التخطيط له وتنفيذه بشكل صحيح، مع مراعاة احتياجات الموظفين وضمان التواصل الفعال معهم. النجاح السريع إن تقييم نجاح الفرد، خاصة إذا كان يدير مؤسسة كبيرة، مثل الوزارة وما فوقها، خلال فترة زمنية ضيقة لا تتعدى سنتين أو ثلاث سنوات مثلًا، ليس من الإدارة. علينا أن نعلم أن للنجاح ثمن وحيد وهو سنوات طويلة من الفكر والعمل الدءوب. علينا أن نفرق هنا بين النجاح والإبداع، فالإبداع يمكن تحقيقه بفترة زمنية محددة جدًا، قد تكون أيامًا أو ساعات حتى في بعض التقديرات، مع العلم أن هناك بعض الدراسات التي تقول أن الإنسان لا يستطيع أن يبدع أكثر من ثماني سنوات، وهناك من قال أكثر من خمسة عشر عامًا، حيث أن أكثر من هذه الفترة تجده يكرر نفس الأفكار ونفس المعلومات لكن بمظلات مختلفة. ولو نظرت مثلًا معظم الكتاب والباحثين لوجدت أن كتبهم الأخيرة ما هي إلا نسخ مكررة مما كتبوه من قبل. فالإبداع عند نفس الفرد قد لا يستمر، فقد يكون مجرد توليد فكرة جديدة خلال ساعات فقط تكون حلًا لمشكلة مستعصية. لكن النجاح الذي يعني تحقيق الهدف، يمكن الوصول إليه بعد سنوات عدة، في الغالب تكون ست سنوات فأكثر حسب تقديرات بعض أهل الخبرة، فهي – أي عدد السنوات – مرتبطة بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعمل فيها الفرد، خاصة في المجتمعات التي تعاني التأخر والتخلف. بمعنى آخر، فإن الفرد المبدع يستخدم طرق ووسائل غير عادية قد تختصر له المسافة في حالة نجاحه فيما أبدع، بينما الفرد الناجح يستخدم طرق اعتيادية علمية قد تتطلب فترة من الزمن. فمثلًا طبيعة ما يسمى التخطيط الاستراتيجي تتطلب المدى البعيد، أو هذا هو ما يعنيه مفهوم التخطيط الاستراتيجي، وهو وظيفة القيادة أو الإدارة العليا كتابة وتنفيذًا، فكيف نطالب إذا مثل هذه القيادة أن تنجح أو تحقق أهدافها خلال سنوات قصيرة المدى. لهذا من الغريب أن تجد بعض المحللين في وسائل الإعلام، وهم يتساءلون ماذا قدم فلان أو قدمت الجهة الفلانية للشعب أو للوطن وقد جلسوا على كرسي المسؤولية عامًا كاملًا؟ إن النجاح السريع ليس من الإدارة وليس مطلوبًا دائمًا، وإن وجد فقد يتلاشى بسرعة ولا يكون مستدامًا، ومن المؤكد أنه يكون على حساب الجودة. أما النجاح الحقيقي فغالبًا ما يتطلب وقتًا طويلًا وجهدًا مستمرًا وتطويرًا مستدامًا تتعلم خلاله أكثر وتكتسب مهارات ومعرفة أعمق وأوسع في المجال نفسه. بقلم د. عثمان فريد، أستاذ الإدارة بجامعة جيبوتي