تعامل المفاوض دون صلاحية إن إعطاء المفاوض صلاحيات تؤهله في المضي قدماً للوصول إلى أرضية يلتقي فيها طرفا العملية التفاوضية هي الركيزة الأساسية لانطلاق العملية وبصورة صحيحة. والمفاوض الذي يدخل في المفاوضات بدون الصلاحيات الضرورية على الأقل كالجندي الذي يذهب إلى ساحة المعركة بدون سلاح، وبهذه الصورة فإن العملية تبدأ وهي محكومة بالفشل من البداية أو ميتة في مهدها. في الواقع العملي لا تكاد توجد أي صلاحيات للمفاوض، خاصة المفاوضات السياسية، سوى تلك التي ينتزعها لنفسه انتزاعاً في حالة إذا كانت فيه قليل من الحياة أو الشجاعة. ومن المضحك جداً أن تجد، خاصة في المفاوضات السياسية في البلد الواحد نفسه، ممثل من المعارضة وآخر من الحكومة، وكلاهما منزوعي الصلاحيات بما تعنيه الكلمة، وتراهما يعيدان كل صغيرة وكبيرة إلى كبيريهما، فما هي النتيجة التي تتوقع من مثل هذه المفاوضات؟ أعتقد أن أحسن وصف لمثل هذا المفاوض أن نقول هو مجرد إنسان آلي فقط لا أقل ولا أكثر، يتم توجيهه أو التحكم به عن بعد. ومن هنا تفقد عملية التفاوض دورها الذي تلعبه في الحياة السياسية أو في حياة المنظمات وحتى في الأفراد والجماعات، وهذا مما ليس له علاقة بالإدارة الناجحة. والتفويض الداخلي لا يقل أهمية عن التفويض الخارجي، فالمدير الناجح هو الذي يفوض المهام الداخلية بفاعلية ويحقق التوازن بين متطلبات العمل واحتياجات الموظفين من المشاركة، بعيداً عن المركزية التي تجمع السلطة وصنع القرار في جهة واحدة، سواء كان شخصاً أو مجموعة محدودة من الأفراد. لذلك يجب على المفاوض أن لا يتعامل مع أي موقف أو أن لا يقبل من البداية دون أن تكون لديه الصلاحيات الضرورية للتعامل معه، فمن الضروري أن يتمتع بالصلاحيات اللازمة، فهي جزء أساسي من عملية التفاوض لاتخاذ القرارات ضمن نطاق المهام المفوضة له. والتفاوض والمفاوضة والمفوض والمفوض له علم وفن وسلوك، ولذلك لا بد أن يكون واضحاً للأطراف في خصائصه ومراحله ومقوماته ومبادئه، وإتقان هذا الفن أمر مهم جداً، خاصة في مجالي السياسة والتجارة. الساعات الطويلة في المحاضرة بعض المحاضرات في المؤسسات التعليمية، خاصة في الدراسات العليا، تأخذ ثلاث ساعات في نفس القاعة وفي نفس المادة والأستاذ. وكثيراً ما تقرأ على وجوه الطلبة أثناء المحاضرة مللاً بائناً وضعفاً كبيراً في الاستماع للمحاضرة وفي فهمها، خاصة بعد المضي من المحاضرة ساعة تقريباً. وفي بعض الأحيان تجد في بعض المؤسسات وهي تخصص دورة معينة للفترة الصباحية كلها، إن لم يدخل فيها جزء من وقت الطهر، وفي بعض الحالات قد تأخذ الدورة نفسها يوماً كاملاً. ونحن نقصد هنا إذا كانت الدورة تحمل نفس العنوان ونفس المدرب، أما إذا تنوعت المواضيع واختلف المدربون فلكل دورة نكهتها ونشاطها ولكل مدرب مهارته وخبرته. دائماً أتساءل ما مغزى طول المحاضرة أو الدورة الواحدة إلى كل هذه الساعات؟ ولماذا كثرة المناهج الدراسية في المؤسسة التعليمية وتنوعها وتعدد مفردات المادة الواحدة تكون على حساب المعرفة التي يجب أن يعي بها الطالب؟ علماً أن كثيراً مما تحتويه معظم هذه المناهج لا تسمن ولا تغني من جوع. قرأت دراسة أجريت في السبعينات قامت بها البحرية الأمريكية، حسب ما أورده جرانفيل توجود في «كتابه المدير المفوض» لمعرفة المدة التي يستطيع الإنسان فيها الاستماع لأشخاص يتكلمون. وكان الهدف من الدراسة هو الانتفاع بشكل أفضل بوقت المحاضرين وبوقت الطلاب في البحرية. لقد جاءت النتيجة مفاجأة للجميع، بحيث لم تكن الإجابة ساعة، ولا حتى نصف ساعة، بل كانت ثماني عشرة دقيقة فقط. فقد وجدت الدراسة أن قدرة الجمهور أو الطلاب على التركيز في غرفة الصف أو المحاضرة تصبح أضعف بعد ثماني عشرة دقيقة. وممكن قليل من الناس هم الذين يعرفون هذه الحقيقة. إنك كثيراً ما تجد ساعات كثيرة مهدرة في المحاضرات أو الإلقاءات الطويلة بدل أن يستفيد منها الطالب أو المستمع لأغراض أخرى. قد تتساءل ما ذا أفعل في حالة إذا لم أستطع حصر ما أريد أن أقوله خلال ثماني عشرة دقيقة؟ من حقك أن تتساءل هذا السؤال، مع العلم أن هناك استراتيجيات يمكنك تحسين قدرتك على تقديم أفكارك خلال دقائق قليلة، لكن ليس من حقك أن تهدر وقت الآخرين بدورات أو محاضرات أو ندوات طويلة بدون فائدة. بقلم د. عثمان فريد، أستاذ الإدارة بجامعة جيبوتي