البحث عن فرصة ثانية لتمرير القرار يعرف كل مثقف أن الإدارة هي عملية مشتركة بين مجموعة من الأفراد يعملون لتحقيق أهداف مشتركة، والذي يؤمن عكس ذلك مخطئ ودخيل في العملية الإدارية.
لكن الإنسان، كونه يحاول أن يتهرب قدر المستطاع مما لا يريده، ولو بشكل غير مبرر، قد تلاحظ أحياناً في بعض المجالس الإدارية، عند اتخاذ قرار ما، أن بعض المسؤولين يحاولون تأجيل تبني القرار أو إحالته إلى وقت آخر، في حالة إذا وجدوا أن الأمور تتجه عكس ما يريدونه. وتأجيل القرار في حالة إذا تم اتخاذ كل الخطوات الإدارية التي تسبق تنفيذه هو نفسه خطأ إداري.
علماً بأنه لا يوجد عملياً أحد من المسؤولين في أي مؤسسة يلتزم بتلك الخطوات، وإن وجد فذلك نادر جداً.
لذلك يرى بعض كتاب الإدارة أن هذا الأسلوب نوع من الدكتاتورية المقنعة في العملية الإدارية، وسعي غير مسئول لإقناع الآخرين بأي طريقة بهدف العدول عن قرار إداري سبق أن تم اتخاذه بطريقة صحيحة.
وأمثال هؤلاء المسؤولين تجدهم في حالة إذا تم تأجيل اتخاذ القرار لحين آخر، يسعون خلال هذه الفترة لإقناع أكبر عدد من مشاركي اتخاذ القرار (أعضاء مجلس الإدارة) فرداً فرداً بوجهة النظر التي يرونها، بنية تمرير القرار من جديد لمصالحهم الخاصة فقط.
لا ننكر أن هذا الأسلوب قد يأتي بفائدة للمؤسسة من ناحية أخرى، وخاصة في البيئة الخارجية للمنظمة، في حالة إذا كان الهدف منه نشر إشاعة بين العملاء فقط، وهو ما تستعمله بعض الجهات أحياناً، ومن ثم دراسة ردة أفعالهم، قبل اعتماد القرار النهائي.
أما أن تستعمله في المجلس الإداري، أعلى الهرم الإداري، بهدف حشد أتباع جدد لوجهة نظرك، فهذا الذي ليس من الإدارة، وذلك لأنه ينصب في المصلحة الخاصة.
إن العدول عن القرار هو حق تمتلكه الإدارة، وبإمكانها الرجوع عنه، خاصة عندما يكون القرار مخالفاً للقانون، أو مشوباً بعيب جوهري، مثل مخالفة المصلحة العامة للمؤسسة، أو إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها.
ففي مثل هذه الحالات وغيرها يجوز للإدارة الرجوع عن القرار في أي وقت دون التقيد بمهلة محددة.
لكن الذي نعنيه هنا، والذي ليس من الإدارة، هو الرجوع عن القرار أو تعديله لمصلحة شخصية تخص المدير نفسه أو تخص فرداً من الأفراد، سواء كان من المؤسسة أو من خارجها.
التجاهل عن الخطأ مراعيا للمشاعر الإنسان ليس ملكاً لا يخطئ، ولا نبياً معصوماً، فلا محال أنه سوف يقع في بعض التصرفات الخاطئة.
وغض الطرف عن بعض الأخطاء من أخلاق المسلم، بل من أخلاق كل كريم، مهما كان دينه، فهو قيمة إسلامية وإنسانية نحتاجها.
بل هو فوق ذلك كله، منهج دعوي تربوي إصلاحي، له أثره الكبير في النهاية في نفس المخطئ. من طبيعة بعض الناس أن يتقبل أخطاء بعض الأفراد، لأنهم من أقرب الزملاء لهم، أو لأن لهم مستوى اجتماعي عال، أو لأنهم علماء دين محترمون، أو لأنهم كبار في السن، أو لأنهم متميزون دائماً في أعمالهم... لكن الذي يجب أن ننتبه إليه هو أن تجاهل بعض الأخطاء يفضل إذا كان الخطأ يضر في المصلحة الخاصة، وليس في المصلحة العامة.
فأخطاء بعض الموظفين في المؤسسات، وخاصة العامة منها، تضر في المصلحة العامة، مثل الفساد، والذي يشمل الرشوة والوساطة والمحسوبية... ومنها أيضاً إساءة استعمال السلطة، وانتهاك القوانين واللوائح، واللامبالاة والإهمال في الأداء، وغير ذلك مما يضر المصلحة العامة.
لهذا لا يجوز التغافل أو التغاضي عن مثل هذه الأخطاء، ولا يستحسن لك كمدير أن يراك الآخرون أنك تغطي على فشل بعض الأفراد، وغير عادل مع الجميع في التعامل معهم. نعم، طريقة التنبيه على الخطأ لها أسلوبها وطريقتها العلمية الخاصة، من ترفق بالمخطئ، وعدم إحراجه أمام الآخرين، والاستناد إلى أدلة واضحة في إثبات أخطائه، والتركيز على الخطأ وليس على طبيعة شخصيته، وكذلك الاستماع إليه جيداً، وعدم اللجوء إلى لغة التهديد والوعيد، كما يفعل معظم الجهلة عن الإدارة في العالم الثالث، وغير ذلك من الأساليب الإدارية التي تطرقت لها كتب الإدارة.
لكن أن تتقبل منه الخطأ الذي يضر في المصلحة العامة، وعدم الإشعار به ولو بطريقة غير مباشرة، لأنه محترم عندك، أو لأن له مستوى اجتماعي بين الناس أو أو... فهذا الذي ليس من الإدارة، بل ليس من الدين. فالمصلحة العامة فوق كل شيء، مهما كان حجم الخطأ، ومهما كان المستوى المهني أو الاجتماعي أو العلمي للمخطئ.
بقلم د. عثمان فريد، أستاذ جامعي في الإدارة