هناك لحظات في التاريخ لا تُقاس بالسنين، بل تُقاس بوهجها الروحي وخلود أثرها. ويوم مولد النبي محمد ﷺ كان لحظة من هذا الطراز؛ لحظة انبثق فيها النور من رحم الظلمة، وتفتحت فيها القلوب على بشارة الخلاص.

 لم يكن ميلاده حدثًا عابرًا، بل كان بداية فصل جديد للإنسانية، فصل يفيض رحمة وعدلًا وهدى.

 نحبّ رسول الله ﷺ لأننا ندرك أن كل خفقة من قلبه الطاهر كانت رحمةً بالناس، وكل دمعةٍ ذرفها كانت شفقةً على الضعفاء، وكل خطوة خطاها كانت في سبيل الحق.

 نحبه لأنه اختار الشظف على الرفاه، والصبر على الجزع، والتضحية على الراحة.

عاش يتيمًا بين أودية مكة، لكنه كان أغنى الخلق بالله؛ حمل همّ الناس على كتفيه، وزرع الأمل في قلوب المنكسِرين.

حبّنا له ﷺ ليس حنينًا عاطفيًا فحسب، بل هو التزامٌ ووفاء. إننا نحبه حين نتمثّل سنته، ونحيا بقيمه، ونواجه ظلم الحياة بصبره، ونحمل رسالة الرحمة كما حملها.

إنه الحب الذي يتجاوز حدود الزمان، فلا يعرف انطفاءً ولا يرضى بفتور.

حين نقرأ سيرته الشريفة، نرى نبيًا حاربته قريش بكل قوتها، ومع ذلك صبر وثبت. في بدر وأحد والخندق كان قدوةً للمجاهدين، وفي صلح الحديبية كان معلمًا للحكمة، وفي فتح مكة كان سيد العفو والغفران. 

فهل بعد هذا يبقى مجال لغير الحب؟ يا رسول الله، يا من وحّدت القلوب بعد فرقتها، وأطفأت نار الجاهلية، وأقمت صرح التوحيد، إننا نحبك حبًا لا يحدّه لسان ولا يحتويه قلم.

 نحبك لأنك الحقيقة التي أنارت وجودنا، والنور الذي بدّد عتمتنا، والبشرى التي غمرت حياتنا بالمعنى واليقين.

 وسيظل صوت بلال في أسماعنا يردّد: الله أكبر… وستظل روحك العطرة ترفرف على أمتك، ما دام في الأرض قلب يخفق باسمك، ولسان يصلّي عليك، ودمعة تهتف شوقًا إليك. صلوات الله وسلامه عليك يا خير الأنام، يا من لن ينطفئ نورك ما دام الليل يعانق الفجر، وما دام الكون يسبّح بحمد خالقه.

 

بقلم /شاكر عيليه جيله