العيش بين ثوبين كثيرًا ما تجد معظم المسؤولين يعيشون بين ثوبين في حياتهم، ثوب خارج المهنة وثوب داخل المهنة. الثوب الأول نظيف، معطر، لامع، يرضى عنه الجميع، بينما الثاني أسود، غير مرغوب عند الأكثرية، وقلّ أن تجد من يرضى عنه.

 إنك تجد أحدهم طيبًا، متواضعًا، مبتسمًا معك عندما يكون في المسجد أو في خارج العمل، إلى درجة يمسك يدك ويضحك معك ويضرب أحيانًا على كتفيك مزاحًا وحبًا.

 وبمجرد أن تزوره هو نفسه في مكتبه أو في عمله، وجدته وقد طلّق بائنًا كل السمات التي كنت تعرفها به، خاصة إذا كان جديدًا في مهنته هذه.

فتجده لا يسبقك بالسلام، وإن سلمت عليه تظاهر كأنه لم يسمعها، وإن ردّها ردّها عليك وهو ينظر إلى الجانب الآخر وبصوت غير مسموع. 

وإذا دخل على المكتب أغلق الباب على نفسه كأنه لم ير أحدًا ولم يسمع شيئًا.

والأغرب من ذلك كله أن تجد أحيانًا وهو يحاول جاهدًا أن يتذكر اسمك إن لم يتناساه نهائيًا. 

السؤال هنا: هل العيش بين ثوبين مختلفتين ضرورة لا بد منها؟ بحيث تكون الأولى حفاظًا لماء الوجه على الأقل، وإبقاء العلاقات مع الزبائن الأصليين قدر المستطاع، بينما الثانية ضرورة مهنية يجب أن يلبسها رغمًا عنه؟ أم أن المسألة تعود لطبيعة ونوعية شخصية الفرد نفسه؟ أم أنها جهل عن الإدارة وعن نظرياتها المعاصرة؟ قد نختلف في الإجابة عن الأسئلة المذكورة، لكن يجب أن نعرف أن الذي ميّز نظرية الإدارة اليابانية – نظرية Z - وأثبت نجاحها على النظريات الإدارية الأخرى أهمها صفة الأبوية، حيث تعامل الناس موظفين وعملاء على أساس أنهم أعضاء في أسرة صاحب المنشأة أو مديرها وتحت رعايته دائمًا.

فهو لهم كالأب الذي يرعى أبناءه ويدافع عنهم ويوفر لهم الحماية وكل ما يحتاجونه من خدمات سواء كان خارج العمل أو داخله.

 أما سياسة تحويل المكتب إلى عرين الأسود ليخاف منه الجميع، أو التلون بألوان الحرباء استجابة للحالة الوظيفية أو المزاجية، أو العمل بسياسة الباب المغلق بحيث لا يستطيع أي مواطن الدخول في المكتب لطلب معروف أو لعرض تظلم ما، فكلها سياسات مستخدمة في العالم العربي ولا علاقة لها بالعمل الإداري وليست من الإدارة، حتى ولو عللّ صاحبها بأن تلك السياسة تمنع تجاوز التسلسل الإداري والوظيفي وتسهم في الاستفادة من وقت المسؤول.

يجب على المسؤول أن يعلم أن الثوب الأول هو الأصل وهو أدوم له بكثير، وعليه الحفاظ به إلى الأبد، بينما الثاني إعارة قد لا يبقى معه حتى أيام قليلة.

 وكم من المسؤولين رجعوا إلى ثوبهم الأصلي بعد أن نزع عنهم ثوبهم المستعار الذي سبب لهم الغرور الفاني والآني وجعلهم يفقدون ثقة النفس فجأة، ووجدوا أنفسهم قد عادوا إلى طبيعتهم الأصلية ومع طبيعتهم الأم.

لا شكر على الواجب هذه العبارة كثيرًا ما تتردد بين الناس، خاصة في بيئة الأعمال، وأكثر ما تكون من جهة الموظفين، تعبيرًا منهم أنهم لا يريدون شيئًا مقابل القيام بواجبهم.

لكن كون المدير يتبنى الفكرة بأنه لا داعي للشكر على الموظف ما دام يؤدي واجبه الوظيفي، فهذا الذي ليس من الإدارة.

فمع أن وجود ثقافة الشكر للآخر له ارتباط كبير بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد، إلا أن على المدير أن يصنعها ويجعلها جزءًا من ثقافة المنظمة.

وعدم الشكر على الواجب أصلاً غير صحيح حتى في الإسلام، لأنها تتعارض مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الله يثيب على أداء الواجبات.

 ولذلك يستحب شكر من أدى واجبه، سواء كان في حق الله أو في حق العباد، فهذا يعزز دافع الشخص على المداومة على فعل الخير. وعلى المدير أن يعرف أن الشكر أو الثناء على الموظف يحفزه في المضي قدمًا على الاستمرار في الأداء الجيد وعلى التميز، وهذا بدوره قد يساعده على الإبداع في النهاية وتعزيز المعنويات وزيادة الولاء للمؤسسة، ويشجع روح الفريق والتعاون بين العاملين بصورة عامة.

 ومن المعروف أن الموظف مهما كرر «لا شكر على الواجب» أمام مسئوله وزملائه، فإنه في نفس الوقت يتوقع من الجميع، وخاصة من المدير، جميلاً مهما كان نمطه، من خطاب شكر رسمي أو تقدير شفوي له، خاصة عندما يبدع في واجباته.

وهذه طبيعة أي إنسان. يجب أن لا يكون الشكر على الموظف مجرد سلوك روتيني معروف عند الجميع كما هو حال الواقع، فلا بد أن يشعر الموظف أن كلمة شكرًا من قبل المدير تحمل له معنى صادقًا، يفهمها من خلال مدى إجلال المدير لما قام به من مهام منوطة إليه.

وحتى في حالة فشله في المهام يجب أن يشكر له، ما دام لم يقصر وما دام بذل جهودًا قدر المستطاع. ووصول هذا المعنى إلى الموظف مرتبط بأسلوب المدير نفسه والطريقة التي يستخدمها لإيصال الشكر إليه.

نعم، إن تقديم كلمات الشكر والثناء يُعدّ تحفيزًا للموظف؛ وقد ورد في الحديث «من لا يشكر الناس لا يشكر الله».

وبطبيعة فطرته الإنسانية، فالشخص أيا كان منصبه بحاجة دائمًا إلى الشكر والتقدير على جهوده وأدائه.

 

بقلم د. عثمان فريد، أستاذ جامعي في الإدارة