سرقة الأفكار عقب تخرجنا من الجامعة - وهذه من الذكريات - جلسنا مع مجموعة من التجار والمسؤولين في جيبوتي وتداولنا معهم بعضًا من الأفكار التجارية، التي كنا نحلم بها أثناء دراستنا في الجامعة بحكم تخصصنا في الإدارة والمحاسبة، والتي رأيناها أنها قد تكون ناجحة وتلبي احتياجات السوق.

وهدفنا من الجلوس معهم كان على أن يقفوا معنا ماديًا ومعنويًا في المضي قدمًا على تحقيق تلك الأحلام الناشئة. وبعد مداولة استمرت أكثر من ساعة أو يزيد، وجدنا في النهاية أن هذه الأفكار غير مرحبة بها لديهم وأنها لا تعني لهم شيئًا يذكر.

ولم يخرج كل ما قالوه لنا عن إطار المجاملات والنظر في الموضوع بتأن وعدم الاستعجال وعن اللف والدوران... الذي أريد أن أقوله هنا هو أننا اكتشفنا بعد فترة من الزمن أن بعضًا من أفكارنا الخاصة استثمرت عند بعض هؤلاء، ظنًا منهم أن هذه شطارة نادرة في التجارة بل تمثل القمة في العملية الإدارية.

أما نحن فقد عرفنا فعلاً ما تعنيه سرقة الأفكار، ومات الحماس فينا، وطارت ثقتنا بهؤلاء وبأمثالهم، واكتسبت عقولنا خبرة لأول مرة.

في بيئة الأعمال، فإن أكثر شيء إيلامًا للموظف وأكثر أمر يؤرقه هو أن يدرك أن المدير أو المسؤول قد سرق مجهوده الفكري، وتبناه وقدمه باسمه، كأنه من مجهوده الخاص، خاصة إذا كان هو بلا رؤية أو بلا برامج إداري.

وهذا ما يجعل الكثير من الموظفين يترددون في تقديم الأفكار الجديدة، مهما فتح لهم كل الأبواب لإبداء أفكارهم، خشية أن ينسبها أي المدير إلى نفسه.

 الجميع يعرف أن حقوق الطبع محفوظة للمؤلفين، لكن الذي لا يعرفه أحد هو من سيحفظ حقوق الأفكار لأصحابها.

لهذا ولحماية نفسك من السرقة، وثق أفكارك كتابيًا، ولا تشاركها إلا مع أشخاص تثق فيهم. حاول تنفيذها بأسرع ما يمكن بدلاً من تأجيلها خوفًا من سرقتها.

وفي حالة إذا تعرضت للسرقة، واجه السارق مباشرة مستخدمًا كل ما تملكه من أدلة تثبت أن الفكرة هي فكرتك ولا تبالي... اشتراط شهادة الخبرة من معايير التفرقة بين المتقدمين للوظائف الشاغرة في أي شركة أو مؤسسة ما يسمى بشهادة الخبرة، والتي لا تكتسب إلا بعد الممارسة والتدرب على العمل.

السؤال هنا: ما ذنب المتخرج الذي هو حديث التخرج من الجامعة، والذي لم يسبق له وأن عمل في مكان آخر، والذي بذل جهودًا كبيرة طوال سنين الجامعة وقبلها، وأصبح الآن جاهزًا لخوض غمار مستقبله بكل جدية وتفاؤل؟ علمًا أن النسبة الكبرى لعدد السكان في جيبوتي وفي أي دولة أخرى من هذا الجيل الحديث التخرج.

من المفترض أن تكون الاختبارات أو المقابلات الشخصية التي يخضع لها الفرد المتقدم للوظيفة هي الفارق أو المحدد الأساسي لخبراته وقدراته دون مطالبته بشهادة الخبرة التي يصطدم بها المتقدم للعمل أينما ذهب، خاصة إذا كان طالبًا حديث التخرج.

وعلى الشركة أن تنظر بجدية إلى الكفاءة العلمية في التخصص أكثر ما تنظر إلى ما يمتلكه الفرد المتقدم من خبرة سابقة في مجال العمل.

من ناحية أخرى، لماذا مثلاً لا يشترط المهارة بدل الخبرة؟ التي قد تكون موجودة حتى عند الفرد الجديد في العمل أو حديث التخرج، والتي في الغالب ما تكون أقرب إلى موهبة أكثر ما تكون مكتسبة، علمًا أنها صعبة الاستكشاف إلا بعد اختبار الفرد.

من أجل إيجاد حل لهذه الإشكالية، تجد الكثير من الشركات أو المؤسسات إن لم تكن أغلبها توظف الفرد فترة قد تكون ثلاثة أو ستة أشهر، وقد تكون هذه الفترة فترة مفتوحة بلا حدود، وهذا كله من باب اختباره واكتسابه للخبرة.

وهذا جيد، لكن مصيبة بعض هذه المؤسسات – وهذا موجود عندنا في جيبوتي في أغلب الشركات – أنها لا تعطي الفرد حقه من الراتب ولو نصفه، بحجة أنه ما زال خارج الشركة أو أنه لم يتم تعيينه بعد بصورة رسمية.

وعدم إعطاء الفرد راتبه خلال فترة الاختبار سلوك بدوي يحمل مفهومًا كلاسيكيًا قديمًا، كما أنه هدر على دور المسؤولية الاجتماعية للمؤسسة.

وهذا ليس له أساس في علم الإدارة ولا في غيره من العلوم، ولا أحد يعرف من أين جاءت الشركات عندنا بهذه البدعة في العمل الوظيفي.

 

بقلم د. عثمان فريد، أستاذ جامعي في الإدارة