إن عالمنا اليوم يقف على حافة أزمة أخلاقية واقتصادية عاتية، تنبثق من نظام مالي دولي يتخفّى وراء ستار الحياد، فيما يرسّخ في جوهره اختلالات وهيمنة غير عادلة. وعلى مشارف قمة الأمم المتحدة، ترفع جيبوتي، بلسان رئيسها السيد/إسماعيل عمر جيله ، راية الجنوب العالمي، صارخةً في وجه ظلمٍ يكبّل المسيرة، ويطفئ جذوة الطموح في قلوب ملايين الأفارقة، ومعهم شعوب كثيرة في أصقاع الأرض.
ولمن يرى في نداءات الإصلاح مجرد تكرار للخطابات، نقول: القضية أبعد ما تكون عن نقاشٍ تقني جاف؛ إنها مسألة مصير، ومستقبل أجيال.
فكيف يُطلَب من الأمم الناهضة أن تُصارع تغيّر المناخ، وتشيد البنى التحتية، وتلحق بركب الثورة الرقمية، وهي في الوقت نفسه مقيدة بقيود مالية وُضعت بغير مشاركتها، وغالباً لتكون سيفاً مسلطاً على تطلعاتها؟ إن جيبوتي ترفض رفضاً قاطعاً هذا المنطق المبطّن بالتبعية.
فنحن نؤمن أن شروط التمويل العادلة ليست مكرمةً تُمنح، بل حق أصيل لا يقبل المساومة.
إن حقنا أن نحقق الاستدامة المالية، وأن نبني الموانئ والطرق والمدارس والمستشفيات، وأن نؤسس شبكات طاقة صلبة تقاوم الأزمات.
وكل فائدة جائرة، وكل مشروع يتعثر بسبب شحّ التمويل، إنما هو جرح ينزف من جسد شعوبنا وضياع لفرص ثمينة لا تعوّض. ولهذا، فإن إصلاح المؤسسات المالية الدولية ومنظمة التجارة العالمية يجب أن يكون في صدارة الأجندة العالمية.
فبقاء هذه المنظومة على حالها، بانحيازها القائم، لن يزيد إفريقيا والجنوب إلا تهميشاً وإقصاءً، وسيحرم العالم من طاقة هائلة قادرة على دفع النمو الكوني إلى آفاق جديدة. وموقفنا جليّ لا يحتمل الالتباس: لن نقبل أن نُعامل بعد اليوم كمتسوّلين أمام نظام يحكم علينا بدوائر مفرغة من الديون والعجز.
إن جيبوتي اليوم تقف شاهدة على مسؤوليتها، حاملة رؤية جريئة بقدر ما هي واقعية.
رؤية تؤكد أن العدالة المالية ليست منحة من الأقوياء، بل قاعدة راسخة يقوم عليها صرح الاستقرار والازدهار المشترك.
وإن اقتصاداً عالمياً يقصي بعض أعضائه، إنما يغامر بزلزلة توازن الجميع. لسنا هنا لنستجدي عطفاً، بل لنطالب بحقوقنا المشروعة، ولنحمل أمانة من لا صوت لهم في المحافل الدولية.
هذه القمة ليست طقساً دبلوماسياً عابراً، بل فرصة تاريخية للشروع في مسار إصلاح عميق وحقيقي، إصلاح طال انتظاره، ولم يعد في وسع العالم أن يرحّله إلى الغد.
نجيب علي طاهر المستشار- الإعلامي لرئيس الجمهورية