كثرة المهام وإشغال النفس إن السعي نحو العمل بلا حدود، وتولي مهام مختلفة في آن واحد، وتحميل النفس أكثر من طاقتها ليس من الإدارة، حتى ولو ظن صاحبها أنها من الإدارة. وقد قالوا قديمًا: «إن الذي يدير كل شيء يفشل في كل شيء». وعقلية أمثال هؤلاء هي التي ترى أن الآخرين غير أكفاء، أو غير مناسبين للقيام بمثل هذه الأعمال، وقد تكون هذه العقلية هي التي تفتقر إلى معاني الإدارة. إن مهام المدير معروفة ومحددة في كتب الإدارة، كل حسب القسم الذي يعمل فيه، وإن من أهمها وأولها: وضع الاستراتيجيات العامة، وليس الجري وسط العمال، والوقوف على كل صغيرة وكبيرة. وإن وضع الاستراتيجيات هذه بحاجة إلى تفرغ من قبل المدير وإعطائها الوقت الكافي. ثبت بالأرقام أن الإنسان الذي لا يستريح تقل إنتاجيته، وأن الذي يستريح هو الأكثر إنتاجًا. وفي الحديث الشريف: «إن لنفسك عليك حقًا...». إن كثرة المهام وانشغال النفس يمكن أن تؤدي إلى التوتر، والإرهاق الذهني، وانخفاض التركيز، والتراجع في الصحة العقلية. فالدماغ غير مصممة لتعدد المهام كما يقولون، بل للتركيز على مهمة واحدة. نحن بحاجة إلى كفاءة إنتاجية، والمدير هو من أكثر الناس حاجة إلى الكفاءة الإنتاجية. وقد أشرنا في مقال سابق أن زيادة الكفاءة الإنتاجية تؤدي إلى تخفيض ساعات العمل، والعكس صحيح. فكما أن قيام الليل وصيام النهار بدون إخلاص لا يؤدي الغرض، فإن العمل بالليل والنهار بدون كفاءة إنتاجية لتحقيق الأهداف الموضوعة لا يعني إدارة، فضلاً عن أن يكون نجاحًا. إنك أن تعمل نصف ساعة وتحقق هدفًا واحدًا، خير لك من أن تعمل ساعات طويلة وتصل إلى أهداف معطوبة أو وهمية. الاستشارة غير المشاركة ما من مسؤول في أي دولة، وخاصة الوزراء، إلا ولديه أكثر من مستشار، من أجل الاستشارة بهم وأخذ رأيهم في الأمور المعقدة أو المهمة. وقد يعتقد البعض أنهم بهذه الطريقة طبقوا مبدأ المشاركة في الإدارة عند اتخاذ القرار، وهذا مفهوم خاطئ في ماهية المشاركة وأبعادها. الاستشارة تظل سلطة اتخاذ القرار في النهاية بيد صاحب القرار الأصلي، لأن المستشارين وجدوا من أجل سماع رأيهم فقط، وليس من أجل أن يكون لهم دور في القرار كما هي المشاركة. فالاستشارة في النهاية تعني القرار الفردي، وليس لها علاقة بمبدأ المشاركة. هذا في حالة إذا تمت فعلاً الاستشارة معهم، أما أن يكونوا مجرد أسماء فقط، ليس لهم مكاتب، فضلاً عن أن يكون لهم دور في القرار كما هو الحال عند معظم المستشارين، فتلك هي الطامة الكبرى. المشاركة لا تعني إشراك المستشارين في القرار، وإنما تعني إشراك المرؤوسين في القرار، مهما كان مستواهم الوظيفي، حتى ولو كانوا في الإدارة الدنيا. كما أن أسلوبها لا يعني عقد اجتماعات مباشرة معهم كما يفهمها البعض، وإنما لها وسائل كثيرة. وإن كان عقد الاجتماعات المباشرة معهم هو الأجدى والأفضل، فمن الممكن أن تتحقق المشاركة عبر الاتصال الهاتفي مع الموظف عند وجود بعد جغرافي أو ضيق وقت، أو المقابلة الفردية معه في أي مكان، وحتى أسلوب الاستفسار الكتابي من الوسائل التي يمكن استخدامها. إذا، الوسائل المستخدمة في مبدأ المشاركة لتزويد المعلومات والآراء والمقترحات تتعدد، لكن المهم هو أن يكون المستشارون لهم علاقة بالمشكلة موضوع القرار. أخيرًا، علينا أن نفرق بين المشاركة وبين القرار الجماعي. فالمفهومان متقاربان جدًا في المعنى، إلا أنهما يختلفان في أن الأولى المسؤول هو الذي يتحمل المسؤولية في النهاية، بينما في الثانية الجميع، بمن فيهم المشاركون، هم الذين يتحملون المسؤولية. ومبدأ القرار الجماعي مما تميزت به الإدارة اليابانية، وهو أفضل من المشاركة. بقلم د. عثمان فريد، أستاذ الإدارة بالجامعة.