التعليمات الغاضبة إن رفع الصوت وتوجيه تعليمات غاضبة نحو العاملين أثناء العمل، اعتقادًا من المدير بأن هذا سيحركهم، ليس من الإدارة الناجحة. فقد تحرك التعليمات بهذه الطريقة الموظف وتخوفه في الحال فقط، لكن لا تبني فريقًا ناجحًا، لأنهم يفقدون ولائهم للمؤسسة، ولا تبني مؤسسة قوية في المستقبل لأن أداءها يبقى ضعيفًا بسبب ضعف الروح المعنوية للموظفين. كما أن هذا السلوك لا يلجأ إليه إلا قليل الخبرة أو الذي يخاف من التعرض لأي أسئلة من قبل الآخرين، وخاصة المسؤولين. إن مشكلتنا ليست في تعليم الناس بقدر ما تكون في كيفية استثمار تلك الوسيلة. إن المدير الناجح لا يحتاج إلى إعلاء صوته أمام الموظفين بهدف التوجيه، بل من الضرورة أن تبقى صورته مصدر إلهام واحترام وتقدير عند الجميع، سواء كانوا عاملين أو عملاء. فبينك وبين الموظفين لوائح وقوانين، وليس بينك وبينهم صراخ وغضب. نعم، قد تلجأ أحيانًا إلى تمثيل الغضب بهدف الضبط والسيطرة على بعض الأمور، وخاصة عند أشخاص لا تنفعهم إلا الجدية والحزم اللازمين. لكن لا تدمن على هذا السلوك، فتضعف شخصيتك، فيصبح الغضب أو الصياح حصنك الذي تلجأ إليه دائمًا. «واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير». إن المنصب قد يمنحك مكانة اجتماعية أو فرصة عمل كبيرين، لكن لا يمنحك بالضرورة القدرة على الفهم والإبداع والذكاء. فإن هذه الصفات يأتي دورها عندما تواجه موقفًا جديدًا لم تقرأه في الكتب ولا تعلمته في المناهج، فيصبح ذكاؤك ودهاؤك في هذه اللحظة هو المرجع الأساسي لفهم ما يجري. ومن هنا قد نجد أناسًا بسطاء في تعليمهم، لكنهم قادة عظام في تعاملهم، لديهم حكمة عملية أوسع من حملة الشهادات والمناصب العليا. فقد يفتح لك التعليم أبوابًا كثيرة، لكن الذكاء وفهم الموقف هو الذي يعلمك أي باب من تلك الأبواب يستحق أن يفتح. طريقة تطبيق البيروقراطية من النظريات الإدارية التي يتم تطبيقها بقصد أو بغير قصد في العالم الإسلامي، هو ما يسمى النظرية البيروقراطية للعالم الألماني ماكس فيبر، الذي عاش ما بين 1864 – 1920م. وقد جاءت كلمة البيروقراطية من «Bureau» الفرنسية، ومعناها المكتب، و»Cracy» ومعناها الحكم، وتعني حكم المكاتب، حيث إن المكتب الصغير يتبع في السلطة والصلاحية بمكتب أعلى منه، والمكتب الأعلى منه يتبع مكتبًا آخر أعلى منه أيضًا، وهكذا. ويتم تطبيق البيروقراطية غالبًا في الإدارة العامة أكثر من إدارة الأعمال. والذي نريد أن نقوله هنا هو أنك عندما تقرأ مبادئ البيروقراطية تجدها جيدة فعلًا، وتجد أن لها خصائص مثالية. فمن مبادئها مثلًا: مبدأ التطور الإداري، مبدأ البحث العلمي، مبدأ المسؤولية العامة، مبدأ العلاقات العامة، مبدأ التنظيم، مبدأ التوجيه السياسي، بحيث تحرك المجتمع باتجاه معين حسب توجيهه السياسي... إلخ. ومن خصائصها: عدم التحيز، بحيث يتم تنفيذ القوانين واللوائح بطريقة غير شخصية، ومنها خاصية تدرج الوظائف في مستويات السلطة، وتسخير المؤهلات والخبرات الوظيفية، وتطبيق مبدأ تقسيم الأعمال وتنميطها... إلخ. هذه هي البيروقراطية الأصلية، وليست التي أصبحت اليوم روتينًا قاتلًا للهمم والدافعية، ليست التي جعلت اليوم الأشخاص المسيطرين على المكاتب يحصلون على سلطات واسعة يستخدمونها لمصالحهم الشخصية أو لتعطيل أو تأخير مصالح الناس، مما جعل معظم المؤسسات في القطاع الحكومي مؤسسات خاضعة لترتيب إداري متعب سبب كثيرًا في تعطيل أو تأخير الأعمال. لا تعني البيروقراطية الجمود والروتينية وعدم المرونة، ولا تعني المظاهر والرموز والشكليات عن طريق التمسك بالمظاهر الخارجية ومحاولة تحسينها، كما لا تعني البيروقراطية مقاومة التغيير، حتى لا يتم المساس بمراكز البعض أو بوظائفهم. ليست البيروقراطية التي تتستر بالقواعد والأنظمة عند الفشل، بحيث يلقون اللوم عند عدم الكفاية والفاعلية في الإنجاز على القواعد والأنظمة والروتينية. علينا أن نفرق بين أخطاء أتباع النظرية والنظرية نفسها، فالخطأ يعود إلى من يطبق وليس إلى النظرية، كما نفرق بين الإسلام وأخطاء المسلمين. فالخطأ ليس في المدرسة الإدارية المتبعة، وإنما هو عائد إلى من يطبقون هذه المدرسة ويوجهونها حسب مصالحهم الخاصة، مثلما يفعل بعض الدعاة وعلماء الدين الذين يستدلون آيات ويستخرجون أحاديث حسب هواهم وحسب نياتهم الضيقة، مع أن الإسلام بريء منهم... بقلم د. عثمان فريد، أستاذ الإدارة بالجامعة