طريقة اختيار الموظف مما أتذكره، كانت هناك مجموعة تخرجت من الجامعة قبل سنوات، وكما هو معروف فإن في أي فصل يوجد فيه القوي والضعيف في الدراسة.

الذي أقصده هنا هو أن أغلب المتخرجين من الفصل نفسه، ومنهم الأوائل والمتميزون، شاركوا في امتحانات إحدى المؤسسات للتوظيف، فلم ينجح منهم إلا الأخيرين الضعيفين في المستوى الدراسي والمعلوماتي في الفصل، وذلك بحكم معرفتي بهم مسبقًا كأستاذ لهم.

 وبالأمس القريب، كنت مع أحد المسؤولين في إحدى المؤسسات الكبيرة، فسألته: كانت مؤسستكم من المؤسسات المعروفة باختيار الموظفين بمعايير علمية عند تعيينهم، لكننا نراها في الآونة الأخيرة تتبع الأخريات في التخلف في هذا المجال، مجال التعيين والاختيار، حيث نرى فيها مرات كثيرة وجوهًا جديدة لا يعرفها أحد متى وكيف توظفت في المؤسسة، فقال لي: هذا هو الواقع، ولا مفر من ذلك، أخيرًا استسلمنا له رغمًا عنا.

في كتب الإدارة، وخاصة كتب إدارة الأفراد، توجد معايير علمية لاختيار وتعيين الموظف، من هذه المعايير: - المعايير الفنية والمهنية، مثل: المؤهلات العلمية، وأهمها الشهادات، والخبرة العملية، وأهمها سنوات الخبرة، والمهارات التقنية كإتقان الأدوات والبرمجيات... - المعايير السلوكية والشخصية، مثل: الالتزام والانضباط بالمواعيد، ومهارات التواصل، وأهمها الاستماع الجيد للآخر، والعمل الجماعي والتعاون والقيادة حسب الدور، وغيرها وهي كثيرة. - المعايير الثقافية والتوافق مع المؤسسة، مثل: مدى تطابق قيم المرشح مع رؤية ورسالة وثقافة الشركة، وكذلك الرغبة في التعلم المستمر ومواكبة التطورات الآنية.

لكن المعايير المعتمدة عندنا، سواء في الشركات الأهلية أو الحكومية عند التوظيف، هي كلها معايير ما أنزل الله بها من سلطان، وهي أساس التخلف والتدهور في عمل الشركات وفي أدائها، وسبب عدم تحقيق الأهداف المرجوة منها.

 من هذه المعايير: معايير الحزبية والزمالة والوساطة، وأسوأ من ذلك كله هو معيار اختيار الموظف حسب القبيلة أو القومية، مع أن الأخير قد يكون وسيلة لتحقيق التوازن والتمثيل العادل في الوظائف إذا تمت بصورة عادلة وصحيحة، مراعيًا التوزيع الإثني في المجتمع، مع أنها قد تؤدي في الغالب إلى التمييز والانقسام في المجتمع نفسه.

 هذه الظاهرة، ظاهرة اختيار الموظف بهذه المعايير، شائعة عندنا في العديد من المؤسسات، حيث يتم اختيار الموظفين بناءً على العلاقات الشخصية أو الانتماء الحزبي أو القبلي أو الجماعي، وغيره مما قلناه.

والغريب هو أن بعض المدراء يحسبون ذلك حنكة إدارية في إدارة الأمور، غير مدركين أنها عين الغباء في هذا المجال.

 

 بقلم د. عثمان فريد، أستاذ الإدارة بالجامعة