لحكمة يعلمها الخالق أوجد من كل شيء زوجين اثنين ... ولا يمكن لِرِجْلٍ واحدة أن تخطو خطوة نحو الأمام ناهيك عن قطع الأميال ... وكثيراً ما يقال اليد الواحدة لا تصفق، لأنها الحقيقة والواقع، ولا يمكن أن تتم التنمية الصحيحة إلا بإشراك المرأة فيها وبوقوفها إلى جانب أخيها الرجل جنبا إلى جنب لدفع عجلة التقدم وتحقيق الأهداف المنشودة، وانطلاقاً من هذه المسلمات وضعت الحكومة إستراتيجية شاملة تعطي للمرأة فرصة المشاركة في جميع المجالات .
لا شك أن تقييم العمل ومراجعة ما تم قطفه من ثمار بين فترة وأخرى وإشراك الجهات المعنية كافة وأخذ آرائهم بعين الاعتبار بمثابة حقنة علاجية تحسن من نمو ثمار التنمية وتبعد عنها الشوائب التي قد تعيقها، والمنتدى الوطني حول المرأة الجيبوتية الذي عقد في قصر الشعب لتقييم إستراتيجية إدماج المرأة في التنمية الأسبوع الماضي في قصر الشعب آخر المنتديات التي إهتمت بهذه القضية، وقد عكس المنتدى بالأرقام والنسب المئوية التحسن الذي طرأ على حياة المرأة الجيبوتية في أهم المجالات الأربع (الصحة، التعليم، الاقتصاد، مواقع اتخاذ القرارات) وهذا يؤكد على النقلة النوعية والمسار التنموي السليم الذي تسلكه جيبوتي وخاصة في مجال المرأة ولا داعي لذكر التفاصيل.
ونسمع كثيراً من هنا وهناك من يقول ما الذي تستطيع أن تفعله المرأة؟ وكأن المطلوب منها حمل صخور على ظهرها أو جرّ حديد لتثبت لهم قدرتها على فعل شيء ما في هذه الحياة ، و لكن العمل والبناء يعتمد على الفكر بالدرجة الأولى وليس على العضلات وفي هذا الموقف تحضرني صور وملامح وجوه لسيدات... تقاسيم وجوههن تروي قصص الصمود وعدم الاستسلام لقسوة الحياة مهما كانت الظروف... إنها وجوه تتمسك ببريق الأمل حتى ولو فصلت بينهن وما يصبون إليه ملايين الأميال... ويتلألأ من بين هذه الوجوه، وجه جارة لا يفصلها عنا غير بيت واحد... وشاء القدر أن يطلقها زوجها ليرتبط بأخرى تاركا وراءه ولدين و طفلة في المهد ... حينها أدركت أن عليها القيام بدورالأب والأم في آن واحد، لم تطالب بشيء لنفسها ولا لأولادها...بل اختارت الكفاح طريقاً... وتربية أطفالها وتعليمهم هدفاً ... أرشدها تفكيرها إلى اختيار بيع القات عملا ومصدرا لدخلها... لم تمر سنوات حتى أصيبت صغيرتها بشلل احتجزها داخل جدران أربع قبل أن ترى لون السماء وتلعب "الغميضة" مع قريناتها أو تشتري حلوى من الدكان، ولكن الأم الصبورة لم تستسلم ... وسجلت أطفالها الثلاث في أقرب مدرسة حكومية، كانت تقوم في الصباح الباكر... تعد الأطفال وتأخذهم إلى المدرسة حاملة الصغيرة على ظهرها... ثم تعود إلى البيت لترتبه وتعد لهم وجبة الغذاء لتجري إلى عملها حتى تحين الساعة، و في الظهيرة تذهب إلى المدرسة لتعيد أطفالها حاملة الصغيرة على ظهرها.. هكذا كانت حياتها... جري بين البيت والعمل والمدرسة دون ملل ولا كلل... وتمر السنين ويكبر الصغار ويسافر الولدان إلى فرنسا لإكمال الدراسة وتتخلى البنت عن الدراسة شفقة على أمها التي حولت ظهرها إلى وسيلة نقل لها.. إلى أن عاد ولداها وحصلا على وظائف مرموقة واشتريا للأم المكافحة بيتاً خاصاً وخصصا لها مصروفاً شهرياً ليقولا لها كفى جرياً... كفى تعباً... آن الأوان لتستريحي من شمس الظهيرة التي كوت بشرتك ولم تترك من لونك الزاهي غير الخطوط التي رسمتها ريشة التجاعيد، ولمسات التقدم في السن.. هذه هي المرأة التي تصنع الرجال ويكفيها شرفاً أنها تصنع الأجيال برغم قلة عقلها وضعفها كما يراها البعض ، ومن عين الصواب أن تهتم بها الحكومة وتدعم مشاريعها وتضع إستراتيجيات لإدماجها في التنمية التي أزهر ربيعها كما تقول الحقائق المسجلة على أرض الواقع، ولا عيب في وقوف المرأة إلى جانب الرجل لتكون ساعده في بناء الحياة وتطويرها بل ذلك مطلوب ولا غنا عنه دون المساس بركائز الأسرة ومراعاة ثوابتنا الدينية.

نبيهة عبدو فارح