لسنا بحاجة إلى دراية أو معرفة دقيقة بعلوم الاقتصاد لندرك الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها بلادنا في فترة التسعينات، وكيف تدهورت مستوى المعيشة لدى المواطنين، والشلل الذي أصاب المرافق العامة وأداء المؤسسات الحكومية، وحجم الهموم التي كان يئن تحت وطئتها الوطن والمواطنون، حيث خرجت الأمور عن نطاق حسابات وإمكانات الموازنات العامة للدولة التي أرهقتها تكاليف الحرب الأهلية بين الحكومة وجبهة الفرود، والتي كانت تفتقر أساساً إلى بني تحتية اقتصادية قوية ومصادر متنوعة تعيد إليها التوازن والاستقرار في مثل هذه الظروف، فتطورت الحالة إلى أزمة اقتصادية خانقة لم ينج من قبضتها أحد من المواطنين ولا أي جزء من الوطن، وشملت تداعياتها على مناحي الحياة المتعددة وجميع القطاعات الحيوية في الدولة ومختلف شرائح المجتمع، فقد أثّرت على الموظفين في القطاعات الحكومية بعد استمرار تأخر رواتبهم لعدة شهور وقد انعكس ذلك سلباً على حركة الأسواق التجارية وعلى أداء بعض المؤسسات الحكومية كقطاع التعليم الذي مرّ بأزمة كادت أن تعيق سيره نحو تحقيق أهدافه، ومجال الخدمات الصحية الذي كان يسجل مؤشرات غير إيجابية فيما يتعلق بتوفير التغطية الصحية للجميع، ومرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية، والبنية التحتية المجتمعية، كالطرق والنظافة والصرف الصحي وشبكة مياه الشرب وشبكة الكهرباء التي كانت تعاني من مشاكل جمة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان في المدن والأرياف وبعد تلك الصعوبات الاقتصادية التي عاشتها البلاد، استطاعت الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية أن تذلل الصعوبات وتحقق انفراجاً حقيقياً في الأوضاع المعيشية، وتستجيب لهموم وتطلعات الجيبوتيين، ففي ميدان التعليم وضعت المناظرة الوطنية حول التعليم إستراتيجية وطنية أعادت رسم خريطة العملية التعليمية من أجل تحديثها وتطويرها لتواكب احتياجات توفير التعليم لجميع الأطفال وضرورات تحقيق نهضة تعليمية وتسرع الخطى نحو واقع تعليمي يعكس تطلعاتنا الوطنية، وشرعت الحكومة في تنفيذ برنامجها الإصلاحي وتوسيع قاعدة وهرم التعليم من خلال إنشاء مدارس لجميع المستويات على عموم تراب الوطن وبناء جامعة وطنية وإجراء إصلاحات جذرية على هيكل التعليم، كما جرى تطوير المجال الصحي ووضع ضمن الأولويات الرئيسية للتنمية الاجتماعية وتوسعت الدوائر والمراكز الصحية لتقريب الخدمات للسكان ولتوفير الرعاية الصحية للجميع وقد تم تطوير قدرات الموارد البشرية والأجهزة الطبية، وخلال الأعوام العشر الماضية بذلت الحكومة جهوداً من أجل التغيير والتنمية وأحرز الوضع الاقتصادي تقدماً كبيراً وخاصة فيما يتعلق بحشد الموارد المالية لتساهم الموازنة في تلبية تطلعاتنا في مسارات مكافحة الفقر والبطالة وتحسين أوضاع حياة الشرائح الأكثر احتياجاً وتحقيق تنمية مستدامة، وإن الموازنة العامة التقديرية للسنة المالية 2010م والتي كانت أكبر موازنة عامة في تاريخ البلاد تعكس رغبة الحكومة الأكيدة في تفعيل إستراتيجية مكافحة الفقر وترسيخ مبدأ العدل في ضوء المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية التي تركز على محاربة الفقر التي تشكل الأولوية للحكومة والتي تنفذ برامج تنموية في العاصمة والأقاليم الداخلية وتطور البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية لتسهيل وتحسين سبل وصول الفئات الضعيفة من السكان إلى مرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية وخلق فرص عمل مستدامة ومدرة للدخل من خلال حصولهم على التمويل وخدمات القروض الصغيرة ودعم أنشطة تنمية المجتمع وتعزيز قدرات الجهات الفاعلة في التنمية وتهتم تلك المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية بحل هموم المواطنين وكافة شرائح المجتمع، حيث تضع سياسة وطنية لرفاهية الأسرة وإعداد إستراتيجية لتنفيذها، في مجال الشئون الاجتماعية وحماية حقوق الطفل وضمان رفاهيته والتركيز على خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يستفيد منها الأطفال والنساء وتحسين وضع المرأة عن طريق تطوير قدراتها ورفع كل العوائق القانونية والاجتماعية التي تعرقل مشاركة المرأة في الحياة العامة وحماية حقوق المرأة الجيبوتية، وتحقيق تطلعات الشباب وإعطاءها أولوية قصوى عبر توظيف الشباب واستيعابهم سوق العمل وذلك من خلال خلق أكبر عدد من فرص العمل وتوفير التدريب المهني والتأهيل الذي تقدمه الوكالة الوطنية للعمل والتدريب المهني لتعزيز فرص حصول الشباب على المهارات المطلوبة في سوق العمل، ومواصلة الحكومة تنفيذ سياساتها الرامية إلى تنمية الموارد البشرية وتعزيز القوة الشرائية للأهالي ورفع سقف الرواتب المتدنية التي يتقاضاها بعض العمال والموظفين وتفعيل السياسة المتعلقة بترقية الموظفين، ووضع سياسة تصون حقوق وترعى شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة وتهدف هذه السياسة إلى تسهيل التحاقهم بالتعليم والصحة ومجال العمل وتوعية الجمهور حول إمكانية تحسين أوضاعهم، وتمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم من خلال مشاركتهم في المنتدى الوطني الأول والثاني حول تقييم وتقويم الأداء الحكومي والذي جمع الحكومة والمواطنين من أجل مستقبل البلاد ولتمضي الحكومة قدماً في تنفيذ مشاريعها للمدى القريب لتطوير البنية التحتية لبلادنا وجعلها مركزاً للخدمات وقطباً اقتصادياً في المنطقة وليتواصل تحقق طموحات وتطلعات الجيبوتيين في كافة المجالات بقوة دفع فإنهم يطالبون باستمرار العهد الذي تحولت فيه هموم الوطن والمواطنين إلى حلم بمستقبل مشرق وشهدت انفراجاً كبيراً في فترة قياسية.

عبد السلام علي آدم