بفضل العـلاقة القديـمة بيني و بين الإنترنت عثرت على مقالٍ نشر بجريدة (لانـاسيون) الصادرة يوم الخميس الموافق 11 فبـراير 2010 تحت عنـوان" الثنـائي المستعربين و المتفرنسين: من الغـالب؟" بقلم أخي آدم عمر عبد الله باحث مسـاعد بمركز الدراسـات و البحث في جيبوتي و الذي أتمنى له النجاح في مجال البحث رغم بدايته المحبطة.
من المؤكد أن أخي عبد الله كرس بضع ساعات من وقته لكتابة مقاله المشهور من أجل التحدث عن نزاع بين أبناء الوطن الواحد على أساس لغة التعلم بدلاً من أن ينكب على مسائل إستراتيجية تمس مبـاشرة الأمن و السلامة الإقليمـية لبلـدنا الذي تعرض لعدوان إريتـري يوم 10 يونيو 2008.
في الواقع، هناك حقيقة مرة لأن الناطقين بالعربية في البداية لم يعاملوا معاملة جيدة من قبل الوظيفة العامة، لأن حملة البكالوريوس أو الإجازة العليا تــم توظيفهم كحملة الثانوية العامة رغم أنهم درسوا بنفس الجامعات التي درس بها الأستاذ/بطرس بطرس غالي و الدكتور/محمد البرادعي الحاصل على جائزة نوبل للسلام و الدكتور/أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل للكيمياء و هذا على سبيل المثال لا الحصر. لأن الموظفين الذين كانوا يقيمون شهاداتهم كان قد حذرهم الإستعمار الفرنسي من الخريجين القادمين من البلدان العربية و دول أوروبا الشرقية و لا سيما الإتحاد السوفياتي آنذاك، ألم يقل العرب:" الإنسان عدو لما جهل"؟.
ولكن هذه العقلية تغيرت بعد وصول رجل متعدد الثقافات إلى سدة الحكم آلا و هو الرئيس إسماعيل عمر جيله الذي أعطى الفرصة للجميع حسب كفاءاتهم بغض النظر عن البلدان التي درسوا فيها.
مع الأسف، الغالبية لا تعرف أن اللغة العربية كانت لغة العمل في جيبوتي قبل أن يبني الإستعمار مدارسه لتعليم لغة موليير و الدليل على ذلك الإتفاق المبرم بين فرنسا و أعياننا في أبوخ يوم 10 يناير 1885 و هذا الإتفاق كان من نسختين أصليتين باللغة العربية و الفرنسية. أعياننا أعدوا نسختهم باللغة العربية بينما حاكم مستعمرة أبوخ السيد/ليونس لاجرد أعد نسخته باللغة الفرنسية و يعتبر هذا الإتفاق التاريخي السند القانوني الذي يؤكد سيادتنا على دوميرا وجزيرة رأس دوميرا.
و من جانب آخر كل عقود البيع و الشراء بين تجار تاجورا و زيلع و هرر و اليمن كانت تكتب بالعربية.
إن المدرسة الوحيدة التي كانت تدرس اللغة العربية في مدينة جيبوتي أسسها المرحوم علي كوبيش و هي مدرسة النجاح الإسلامية و لكنها تحمل إسماً مختلفاً بالفرنسية : مدرسة فرنكو إسلاميك" مبادرة ذكية من قبل القائمين على المدرسة لتفادي غضب الإدارة الإستعمارية، رغم أن دراسة اللغة العربية في فرنسا بدأت منذ القرون الوسطى. في عام 1530 أسس فرانسوا الأول مدرسة إعدادية لكتيررويو التي أصبحت فيما بعد إعدادية فرنسا و نجد اليوم كليات اللغة العربية و الدراسات الشرقية داخل كبرى الجامعات الفرنسية.
قبل عام 1977 لم يكن الهدف من تعلم اللغة الفرنسية تطوير بلد بل كان من أجل أكل العيش و إلا لما كنا ورثنا من الإستعمار الفرنسي مدرسة ثانوية واحدة و لكن اليوم تغـير الهـدف من التعليم و هذا اقتضى تنويع مصادر المعرفة إذ نرى طلابنا يتحدثـون إضافة إلى اللغة العربية و الفرنسية يجيدون الإنجليزية و التركية و الإسبانية و الإيطالية و الصينية...
إن الدفعة الأولى من أطبائنا الذين درسوا في كوبا يعالجون الجيبوتيات و الجيبوتيين في المستشفيات الجيبوتية. علماً بأن هذه الدفعة كانت تتكون من الحاصلين على الثانوية العربية والفرنسية الذين تعلموا بعد ذلك اللغة الإسبانية للوصول إلى الهدف المشترك و هو هدف كل الأمة و لقد إكتسب كل واحد منهم لغة جديدة. أردت من وراء سرد كل هذه الأمثلة لأؤكد بأن اللغة لم تكن يوماً ضد لغة أخرى بل كانت عنصر نجاح.
إن موقعنا الجغرافي وطبيعة اقتصادنا الذي يعتمد على الخدمات يحتم علينا إجادة لغتـين و إذا كانت أكثر فهذا أمر مستحسن. و لدينا اليوم الناطقون بالعربية الذين يندمون لعدم إجادتهم للغة الفرنسية وفي الجانب الآخر لدينا المتفرنسون الذين بدورهم يندمون على جهلهم باللغة العربية و الإنجليزية في الوقت الذي نلاحظ في فرنسا لافتات إعلانية كتب عليها عبارة"NO ENGLISH NO JOB "ملصقة بحافلات النقل العام.
إذا كان علينا أن نعلق على مسألة اللبس التي أثارها السيد/عبد الله، في الغالب الجيبوتيون يلبسون جيداً بصرف النظر عن مصدر تعليمهم و لكن السبب الحقيقي يرجع إلى الذوق الذي يلعب دوره. إذ يعرف الجيبوتيون أناساً قضوا عشرين عاماً في فرنسا و عادوا بقميص أحمر و كرافتة حمراء مع احترامي للذين يفضلون اللون الأحمر.

موسى محمد حقوقي في القانون الدولي للبيئة