سمعتها تقول: تبالها.. كيف تطلب مني مثل هذا الطلب، لقد أثارتني كثيراً هذه العبارة على الرغم من كوني لا أعرف فحوى الحديث الذي جرى بين الاثنتين والذي بدا لي ساخناً، كانت نبرة الاستنكار المفعمة بالسخط والاستياء والاستغراب الشديدين الذي خيم على السيدة المدرسة التي أكن لها الاحترام هو ما دفعني للاستفسار عن الموضوع والسؤال عن الجريمة التي اقترفتها زميلتها المدرسة لتثور في وجهه بهذه الطريقة الملفتة، فانفجرت تقول: تصور إنها تطلب مني أن أمنح طالباً بليداً ضعيفاً درجة مرتفعة والسبب يا سيدي كما تقول: أن هذا الطالب تقدم له ولإخوته دروساً خصوصية وأن أي تدن لدرجاته سيعرضها للوم وربما يتسبب في حرمانها من هذا الدخل الإضافي المحترم دروس خصوصية وساطات من أجل زيادة درجات الطلاب نموذج غريب وشاذ أتمنى أن يكون كذلك من التعامل مع التعليم والمعلمين والمتعلمين.
فعدت بذاكرتي إلى الوراء عشرين عاماً وتذكرت أول مرة سمعت فيها كلمة دروس خصوصية وكنت حينها في السنة السادسة من المرحلة الابتدائية عندما عينو لنا مدرساً جديداً للرياضيات التي كانت من أصعب المواد وأبغضها إلى نفسي .
ومن اليوم الأول اكتشف هذا المدرس القادم من بلد عربي شقيق ضعف مستوانا في مادة الرياضيات ومواد علمية أخري الأمر الذي دفعه إلى عرض خدماته فبدأ يحدثنا عن خبرته في الدروس الخصوصية ومهاراته وقدراته الفذة وعن سعداء الحظ الذين صنحت لهم فرصة الاستفادة من دروسه الخصوصية .
فانبهرنا كثيراً بهذا الموضوع الجديد المثير بالنسبة لنا نحن الذين لم نكن نسمع في تلك الفترة بهذا الموضوع إلا لملما عبر المسلسلات العربية على شحها واجتاحتنا نوبة من الحماس المفرط حتى خُيّل لنا أننا أمام فرصة تاريخية للتميز والارتقاء فإذا بنا نتسابق على تسجيل أسمائنا في ورقة الأستاذ المشرعة لاستقبال اكبر عدد ممكن لأخذ الدروس الخصوصية في أكثر من مادة واحدة وكان أخوكم الفقير الى الله من أكثر المتحمسين في أخذ هذه الدروس في أغلب المقررات الدراسية بحثاً عن التميز والارتقاء السريع لدرجة أنه خصصت لي ورقة خاصة تليق بمقام 7 مواد حددتها وأصبح أسمى يتردد على لسان أستاذنا ( الخصوصي ) الذي كرس زمن الحصة لهذه القضية القومية بطريقة جميلة منغمة حتى خشيت عليه من الإصابة بالعين فرددت الأدعية التي تعلمتها من الوالدة وأدخرها لكل المواقف العصيبة ..
المهم خرجنا من الحصة دون إثارة أي نقاش حول الجوانب المالية للعملية .. واتضح فيما بعد أنها كانت مؤجلة وفي اللقاء الأول في بيت الدروس الخصوصية منزل أستاذنا المعظم بدأت العملية الحسابية فكان نصيب أخيكم في الله منها 35000 فرنك في الشهر على سبع مواد بمعدل 5000 فرنك لكل مادة فأصبنا بالصدمة من هذا الغلاء الفاحش فهذا المبلغ هو عينه ما كنا دفعناه للمدرسة منذ أن التحقنا بها أي خلال ست سنوات .
فأعلنا انسحابا جماعيا شذ عنه بعض من كان وضعهم خاصا يتناسب مع الدروس الخصوصية وهم فقط من حصلوا دون غيرهم على الدرجة الكاملة في كل مواد الأستاذ المبجل ربنا يذكره بالخير .
تلك كانت لقطة من الماضي أثارها موقف من الحاضر يتطلب منا أن ننبه الى خطورته نظراً لما يترتب على هذا السلوك المناقض لرسالة التعليم النبيلة وأخلاق المعلم الحميدة من هدر للجهود وضياع لفرص الإرتقاء والنهوض بالناشئة وإفلاس قيمي .
قم للمعلم وفه التبجيل .. كاد المعلم إن يكون رسولاً و رحمه الله الشاعر ورحم معه من قال في حقهم هذا البيت المعلمين والمعلمات إلا من أبى .

جمال احمد ديني