في البداية لابد من التنويه بأن أداء الدبلوماسية الجيبوتية قد أثبتت خلال المرحلة الماضية قدرتها على السير بثبات ورؤية واضحة وحافظت على مصالح الوطن التي لها الأسبقية دائماً في المتحركات وفي ذات الوقت لم تقعد القرفصاء لترصد حركة الآخرين من حولها دون أن يكون لها مساهمة فيما يتعلق بمصالح جيبوتي وحماية أمنها والتعاطي مع السياسات الدولية المتعلقة بترتيب شؤون المنطقة ومستقبلها سيما وأنها تدرك الموقع الاستراتيجي الذي تتواجد فيه والذي يكسيها مكانة ودوراً أكبراً هي من مدركات السياسة الجيبوتية وبعبارة أخرى فإن مصالح جيبوتي الاقتصادية وأمنها القومي ستظل دائماً تمثل البعد الإستراتيجي في أداء الدبلوماسية الجيبوتية كما أن إعادة قراءة ما هو متغير في جوانب تلك المصالح من حين لآخر في ظل المعطيات الدولية والمستجدات الإقليمية يصبح أمرا ضروريا لتجديد أداء الدبلوماسية الجيبوتية وزاداً لابد منه لمواصلة العمل بصيانة تلك المصالح والتعبير عنها ويأتي هذا التوسع في التمثيل الدبلوماسي لبلادنا تجسيدا لهذه الرؤية ما يسمح لبلادنا بالحضور والبروز في الساحة الإقليمية والدولية كبلد له مكانته ودوره المهم،وللوقوف علي تجليات هذه الحركة الدبلوماسية الفاعلة التي تشق طريقها في كل الاتجاهات واستشراف آفاقها نواصل استضافتنا لمجموعة من السفراء الجدد علي مائدة حوار يلامس الكثير من القضايا، المرتبطة بالعلاقات الثنائية، وفيما يلي نقدم الحوار الذي أجريناه مع السيد / محمد علي مومن أول سفير لجمهورية جيبوتي لدى الكويت وسفير بلادنا السابق في السودان:-
القرن/ سعادة السفير كنتم أول سفير لبلادنا في السودان، وكانت لكم إنجازاتكم ونشاطاتكم هناك، واليوم وأنتم كذلك أول سفير لجيبوتي في الكويت، فكيف تصفون انطباعكم عن الثقة الكبيرة التي منحها لكم فخامة رئيس الجمهورية؟
السفير/ أولاً: أتقدم بأحر التهاني للقيادة والشعب الجيبوتي بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، أعاده الله على بلادنا وعلى المنطقة ونحن في أحسن الأحوال إن شاء الله، كما أريد أن أعبر عن فخري وامتناني بالثقة التي أولاني إياها فخامة رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله، وآمل أن أكون على مستوى الثقة التي منحها لي فخامة الرئيس، والمسئولية الملقاة على عاتقي، وأشكر الرئيس على هذه الثقة ، كما أشكر دولة رئيس الوزراء و معالي وزير الخارجية على ترشيحهم لي لهذا الموقع، وأدعو الله عز وجل أن يوفقني في أداء مهمتي في الارتقاء بالعلاقة بين الشعبين الشقيقين في جيبوتي والكويت.
القرن/ سعادة السفير: قبل أن أنتقل إلى سؤالي حول أولويتكم في الارتقاء بالعلاقة بين البلدين، فلتسمحوا لي بالعودة إلى الوراء قليلاً لنتحدث عن تجربتكم كسفير لبلادنا في السودان والتي شهدت تحولاً وتطوراً في العلاقة بين البلدين الشقيقين فحبذا لو تحدثنا قليلاً عن تلك التجربة؟
السفير/ أولاً فأنا حينما أتحدث عن الشعب السوداني أو الإنسان السوداني فكأنما أتحدث عن الإنسان الجيبوتي، فأكثر ما يميز الشعب السوداني هو الكرم والضيافة والسماحة، ,أنا حينما بدأت مهامي هناك حظيت أنا وأسرتي بكل الترحيب والقبول والدعم، ووجدت كل الأبواب مفتوحة أمامي وشعرت بأني في بلدي بكل صراحة، وأنا وجدت العلاقة بين بلدينا متميزة ووطيدة على كل المستويات فكنت شاهداً على تميز تلك العلاقة أكثر من كوني مساهماً في بنائها، وهذا ما ساعدني وشجعني على تعزيز تلك العلاقة بقدر استطاعتي، وحاولت التركيز على المساهمة في مجال التعليم والذي يوليه فخامة الرئيس اهتماماً خاصاً وبالذات في مجال تنمية الموارد البشرية والتعليم الجامعي والحمد لله وفقنا إلى حد كبير في هذا المجال واليوم لدينا طلبة جيبوتيين في السودان يدرسون الطب والبيطرة وطب الأسنان والهندسة وغيرها من المجالات العلمية التي تساهم في التنمية في بلادنا، ويفوق عددهم الــ300 طالب، كما أننا وخلال الثلاثة أشهر القادمة سنشهد افتتاح "المستشفى العسكري في جيبوتي والذي هو هبة من فخامة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى القوات المسلحة الجيبوتية، ولا ننسى المزرعة التي تبلغ مساحتها 000 10 فدان من الأراضي السودانية التي تتم زراعتها لمصلحة جيبوتي وسلطات وزارة الزراعة تولي هذا المشروع اهتماماً كبيراً وهناك تمويل دولي كبير لهذا المشروع الذي يعتبر مشروعاً نموذجياً للتعاون بين البلدين وسيشترك فيه البنك الإسلامي بأربعة ملايين دولار وكل ذلك المجهود كان ضمن سياسة السيد الرئيس للأمن الغذائي في بلادنا، وقد وصلت في الأيام القليلة الماضية أول شحنة من المشروع وهي شحنة من زيوت عباد الشمس والذرة وغيرها، وسنشهد في العام القادم شحنات أكبر من المحاصيل الزراعية عندما يصل تمويل البنك الإسلامي للتنمية ، وتحفر آبار عدة ليعتمد المشروع ليس فقط على الأمطار وإنما أيضا على الري.
وأخيراً وليس آخراً ستقوم جمهورية السودان الشقيقة ببناء مدرسة سودانية متكاملة في جيبوتي تشمل جميع المراحل الدراسية من الابتدائية حتى المرحلة الثانوية وقد تم رصد الميزانية المالية اللازمة لهذا المشروع التعليمي، بالمحصلة فإن كل هذه المشاريع وكل هذا التعاون هو بمثابة أرضية صلبة للعلاقة بين البلدين على مستوى القيادتين والشعبين اللذين تربط بينهما أواصر الأخوة والمحبة.
كما لا يفوتني الإشارة إلى المشاريع التي قطعنا فيها أشواطاً كبيرة ومهدنا فيها الطريق لمن يأتي بعدنا والتي تتركز في تنمية الموارد والتدريب، بالإضافة إلى فتح المجال أمام المستثمرين من كلا البلدين لاستغلال الفرص المتاحة.
القرن/ ما هي أولوياتكم في سبيل الارتقاء بالعلاقات الجيبوتية الكويتية؟
السفير/ في الحقيقة لقد سعدت حينما رشحني فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء ومعالي وزير الخارجية لهذا الموقع، وتم تكليفي بافتتاح أول سفارة لبلادنا في دولة الكويت الشقيقة، وأول ما قمت به هو مراجعة التعاون والاستثمارات الكويتية القائمة في بلادنا، ووجدت تواجد الأخوة الكويتيين في جيبوتي وشاركتهم في عدة مجالات عبر الصندوق الكويتي كما أعلم شخصياً وأذكر حينما كنت في إدارة التخطيط أنه كانت هناك استثمارات كويتية في المطار الدولي وفي ميناء جيبوتي الدولي.
وكما نعلم جميعا فإن الكويت ومنذ استقلال بلادنا كانت داعمةً لنا في مجالات كثيرة، وأعتقد أن وجود سفارة للكويت هنا وفي المقابل وجود سفارة جيبوتية في الكويت اليوم سيسهل من عملية تبادل الرؤى والخبرات وسيفتح الأبواب أمام الاستثمار الكويتي في جيبوتي، وسيكون عاملا مهما لدفع وتعزيز العلاقة بين البلدين والمضي بها قدماً، فالعلاقة بين البلدين وبين الشعبين هي علاقة قديمة تاريخية منذ كان الشعبان يعتمدان على البحر في كسب قوتهم عبر الرحلات التجارية البحرية وصيد اللؤلؤ والسمك وسنعمل اليوم عبر افتتاح السفارات في البلدين وبدعم من القيادتين في البلدين الشقيقين على تعزيز تلك العلاقات التاريخية وتفعيلها وفتح مجالات التعاون بشكل أكبر وأشمل بإذن الله.
القرن/ في ظل ما تشهده الدبلوماسية الجيبوتية كيف تقرؤون هذا التحول الدبلوماسي المتمثل في توسيع نطاق التمثيل الدبلوماسي لبلادنا؟
السفير/ أنا لست صانعاً للسياسات والقرارات الدبلوماسية لكن كرئيس لبعثة دبلوماسية أنظر لافتتاح سفارات جديدة لبلادنا والتوجه الرامي إلى تعزيز تواجد وحضور جيبوتي في كل المنطقة وفي كل المحافل الدولية بعين التفاؤل، وأرى أن وزارة الخارجية اليوم مستوعبة تماما لدورها ، فبلادنا ليست بلداً زراعياً أو بتروليا وإنما تتميز بموقعها الاستراتجي وبالتالي فإن حضورنا في المحافل الدولية ودورنا في الإقليم والمنطقة سوءا على المستوي العربي أو الإفريقي ينطلق من تلك الرؤية، ولو لاحظنا خريطة هذا التوسع في التمثيل الدبلوماسي وافتتاح سفارات جديدة تعمل على تمثيل جيبوتي بالشكل اللائق والحضور الدائم في مناطق ودول مهمة منها روسيا ومنها جنوب إفريقيا ومنها الكويت والمغرب وألمانيا ، فإن ذلك يظهر لنا أن جيبوتي على رغم صغر حجمها تريد أن تلعب دوراً إقليميا وبدرجة أولى خلق منطقة جذب إقليمي، ويندرج في هذا الإطار مشروع ميناء تاجوره ومشروع سكة الحديد الواعدة التي تربط بين مدينة تاجورة ومدينة مقلي في إثيوبيا. وأعتقد أن هذه هي الرسالة التي تحاول الدبلوماسية الجيبوتية العمل عليها اليوم وفحوى تلك الرسالة باختصار هي أن الدبلوماسية في خدمة التنمية. وفي ضوء ذلك فالدبلوماسي هو الناطق الرسمي لوزارة التخطيط وصاحب دور كبير في جذب الاستثمارات، وليس الدبلوماسي الذي يعمل في مكتبة ويكتب التقارير. هذه هي رسالة الخارجية الجيبوتية ، ورسالتنا نحن كدبلوماسيين وكبعثات دبلوماسية حتى نوصل للعالم حقيقة مفادها أن بلادنا جيبوتي هي واحة للسلام .. وواحدة للاستثمار.
القرن / سعادة السفير ونحن نصل معكم إلى مرافئ الختام لهذا الحوار ماذا تريدون أن تضيفوا ؟
السفير/ في الختام أحب أن أجدد شكري وتقريري وامتناني لفخامة رئيس الجمهورية على ثقته، متعهداً له بترجمة توجيهاته والعمل على الارتقاء بعلاقات البلدين جيبوتي والكويت، كما أود أن أنتهز هذه السانحة للتحدث إلى أبنائنا الشباب عن الجهود التي تبذل في سبيل الارتقاء بواقعهم من اهتمام كبير لإدماجهم في التنمية وتحسين فرص العمل أمامهم وتوجيه فخامة الرئيس لنا بالعمل على هذا الموضوع في البلدان التي نمثل فيها بلدنا من أجل رفع قدرة الاستيعاب للطاقات الشابة كما أريد أن أحث أبناءنا الشباب على أن يقوموا بدورهم ويتبنوا مبادرات تتعلق بخلق وإبداع فرص ومجالات للعمل الحر، بدل الانتظار من الحكومة أن تقوم باستيعاب كل الراغبين في العمل لأن هذا أمر ليس مقدور أي دولة الوفاء به مهما بلغت إمكانياتها.

أجرى الحوار جمال
أحمد ديني