يكفي ما أضعناه من تفكير وجهد ومقدرات وإمكانات وطاقات في الحروب الجانبية السخيفة
لم تكن هذه المناسبة حدثا عاديا بقدر كونها حدثا تاريخيا يتكرر الاحتقاء به بعد مايربو على نصف قرن من الزمن ويشهد حضوراً محليا لامثيل له بمشاركة كافة مكونات الشعوب الإثيوبية إلى جانب إخوانهم العفر من كافة مناطق الإقليم العفرى وإقليما تقوده المشاركة الجيبوتية المتميزة التي تضم كافة مكونات الشعب الجيبوتي من الفعاليات الرسمية بقيادة رئيس الوزراء السيد/ دليتا محمد دليتا وأعضاء الحكومة والبرلمان وفعاليات شعبية ودوليا يمثله أعضاء السلك الدبلوماسي الأوروبي والإفريقي والعربي ومنظمات دولية وشخصيات ثقافية وفكرية وتاريخية بهذه المشاركة المتميزة في حفل تنصيب سلطان لديه الكثير من المميزات تعلق عليه المنطقة أمالا كبيرة أصبح الحدث منعطف تاريخيا هاما
وبهذه المناسبة التقت القرن بحضرة السلطان حنفري علي مرح وأجرت معه هذا الحوار:-
القرن/ ما الأهمية التي تكتسيها هذه المناسبة وكيف تصفون انطباعكم عن المشاركة الجيبوتية فيها؟
السلطان / إن هذه المناسبة التي نحتفل بها اليوم ليست حدثاً احتفالياً إعلاميا بقدر كونها امتداداً لتاريخ عميق الجذور وتراث عريق ومجد تليد لسلطنة عفرية مترامية الأطراف تعاقب على عرشها قبلي 14 سلطان خلدوا ذكرهم بأعمالهم الجليلة لقرون عديدة.وهي انطلاقة لمواصلة المسيرة ومشوار طويل للارتقاء بالإنسان وتحقيق حياة كريمة واعمار للأرض
ولقد كان للمشاركة الجيبوتية تميزاً واضحاً على كافة المستويات وكان لتشكل الوفد الرسمي والشعبي لأشقائنا الجيبوتيين من كافة مكونات الشعب الجيبوتي وقعاً خاصاً وهو أمر أسعدنا كثيراً وضاعف من شعورنا بعمق الروابط والإدراك العميق بوحدة المصير وحاجتنا إلى التكاتف والتآزر وأنا شخصياً كنت أنطلق من هذه الرؤية الواعية والرغبة الأكيدة عندما طلبت من فخامة رئيس جمهورية جيبوتي السيد/ إسماعيل عمر جيله في خطاب الدعوة الذي بعثته لفخامته أن يشمل الوفد الجيبوتي المشارك في حفل التنصيب مختلف أطياف الشعب الجيبوتي.
القرن/ علام تبنون رؤيتكم هذه وهل تستند علي حقائق تاريخية ؟
السلطان / إن هذا الحدث يدعونا للعودة إلى التاريخ الذي يؤكد لنا أن عدم امتلاك كل من العفر والصومال كتابة خاصة بهما هو ما أدى بهما إلى جهل تاريخهما المشترك والذي أدى بدوره إلى نشوء العصبية والقبلية والمناطقية في مرحلة متأخرة من تاريخهما المشترك الذي كان كتابه مليئاً بصفحات ناصعة وحافلاً بمواقف مشرفة وأعمال جليلة، حيث كانت تجمع بين هذين الشعبين سلطنة واحدة مشتركة تمتد من زيلع إلى هرر، كما تصديا معاً لأطماع الأحباش وحاربا معاً جيوش الحاكم الإثيوبي الصليبي وانتصرا عليه بقيادة أحمد جرا الذي يتشابه الشعبين في زعمهما انتساب الرجل إليهما. وحكما معاً إثيوبيا لــ15 عاماً وإن لم يكن في التاريخ الإثيوبي ما يثبت أو يسند هذه الحقيقة التاريخية ويعود السبب في ذلك إلى تعرض بعض الفصول من التاريخ الإثيوبي لكثير من التزوير وهذا أمر شهد به وأثبته المؤرخ الإثيوبي زودي جبري سلاسي الذي كان أستاذاً جامعياً، في نيورك الأمريكية حيث قال أمام النواب في البرلمان الإثيوبي: أن بعض فصول التاريخ الإثيوبي مزورة ومن مسئوليتنا تصحيحها.
القرن/ ما هي بواعث هذا الواقع الذي تؤكدون علي حاجته إلي التغيير وما الدور الذي يمكن أن تلعبه حضرة السلطان لتحقيق هذه الغاية؟
السلطان / من الأولويات الرئيسية التي ينبغي التركيز عليها هي التخلص من الأمراض الاجتماعية المتمثلة بالعصبية القبلية والمناطقية على مستوى إثنية واحدة أو على مستوى إثني بين إثنيتتين فهذا التناحر عديم القيمة والمعنى وقاتل لا مبرر له فكما يقول الكاتب الفرنسي فرنسوا بارون إن الشعوب تنظر إلى قوة المستعمر كقوة خارقة لا قبل لها به فتتجه إلى حروب جانبية تشغل بها نفسها فتدخل في صراعات ونزاعات تنطلق إما من خلفيات عرقية أو قبلية أوطائفية والمستعمر بدوره يمارس ضدها سياسة فرق تسد، فلو نظرنا مثلاً إلى الشعوب القاطنة في إثيوبيا أو في منطقة القرن الإفريقي على وجه العموم فلن نجد من هم أشد قرابة إلى بعضهما من العفر والصومال، حيث يدينان بدين واحد وهو الاسلام والدين طبعاً ليس عبادة فقط وإنما هو منظومة ثقافية قيمية متكاملة ويجمعها أسلوب حياة واحد وتشابه في السحنات والملامح والزي والتراث والموروث الشعبي وتاريخ وتحديات مشتركة ومصير واحد ولا يفرقهما غير الماء والكلأ نتيجة الجهل الضارب أطنابه في مرابعهم وسياسة فرق تسد التي تمارس ضدهم ممن له مصلحة في تشذيهم فأي داع منطقي وموضوعي وما المصلحة لأن يتقاتل قوم بينهم كل هذه القواسم المشتركة من أجل الماء والكلأ الذي يقول عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار) فما علينا إلا أن نتمثل هذا الحديث بدلالاته العميقة والخروج من هذه الدوامة اللعينة والعمل الجاد على بناء الثقة والارتقاء إلى مستوى مواجهة التحديات المشتركة يكفي ما أضعناه من تفكير وجهد ومقدرات وإمكانات وطاقات في الحروب الجانبية السخيفة والتي آن الأوان لتسخيرها لمعركة التنمية وصناعة مستقبل تنعم فيه الأجيال بالرخاء والتقدم والازدهار.
وما يدعوني للتفاؤل في التصاق هذه الرؤية بالواقع ما استطعت أن ألمسه خلال لقاءاتي بفخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله، ما لدى فخامته من فهم وإيمان عميق بهذه الرؤية الجامعة.
القرن/ ما التحدي الذي يمثله لكم تنصيبكم سلطانا في موقع كان يملؤه والدكم المغفور له السلطان علي مرح حنفري رحمة الله عليه؟
السلطان / مسئولية كبيرة وعبئ ثقيل أن ترث موقعاً كان يملؤه زعيم كبير وقائد استثنائي مثل السلطان علي مرح حنفرى ويمثل بالنسبة لي تحدياً كبيراً أن أملأ فراغاً تركه ذلك الرجل العظيم ولذلك طلبت من الأخوة أن يرفقوا بي ولا ينظروا إليّ بنفس العين التي كانو يرون بها الفقيد سلطان علي مرح، وخاصة في ظل هذا الواقع الصعب الذي يعيشه الناس في المنطقة والوضع المتردي السائد فيها والذي تعددت مسبباته يحتل فيها الجهل رأس القائمة إلى جانب الافتقار إلى شبكة طرق مجهزة ، يضاف إليها حمية الجاهلية والأمراض الاجتماعية فكما يقولون الضعفاء يتسلط بعضهم علي بعض وغيرهم يتسلط عليهم معاً ولكل هذه العوامل لم تتمكن المنطقة من الاستفادة من مميزاتها واستثمار ما تمتلكه من مياه وأراضي شاسعة صالحة وبيئة خصبة في الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي والارتقاء بواقعها في حين أن هذه المنطقة قبل 40 عاماً إبان إطلاق سلطان علي مرح ثورة تعليمية ونهضة زراعية كانت بلغت أوج ازدهارها، حيث كانت آلاف الهكتارات المزروعة وما يزيد على 600 تركتييتر و 60 بلدوزر وثلاث طائرات.
القرن/ وكيف انحدر الواقع إلي هذا المستوي المريع الذي أشرتم إليه ؟
السلطان / طبعاً ليس هذا التدهور وليد اليوم وإنما بدأ مع وصول نظام الدرق الدموي بقيادة الديكتاتور منجيستو هيلي مريم الذي علق المشانق وأعلن الحرب على الجميع.
وكنا نحن من أوائل من أعلن الكفاح ضد ذللك النظام الظالم الذي كان رغم كل مساوئه والكوارث التي جرها علي البلاد يساوي بين الجميع في ظلمه دون أن يميز أحدا علي آخر مثل غيره.
وإن حالة التردي والتدهور الذي وصلت إليه المنطقة والتي لم يسبق لي أن رأيتها متخفية وراء المشاريع والشعارات والخطابات السياسية ترفع من مصوب التحدي الذي ينبغي علينا مواجهته وتستدعي تحركاً جاداً فاعلاً وتتطلب تكاتف وتضافر الجهود فما نراه من مظاهر التخلف والجهل والجفاف وندرة المؤسسات الصحية وانتشار للأمراض والأوبئة كالسل والملاريا وسوء التغذية والنسب المرتفعة لوفيات الأطفال ووفيات النساء في الولادة التي أصبحت جزءً من التاريخ في كثير من مناطق العالم والتي لازال مجتمعنا يصبح في جحيمها الأمر الذي يجعل وجوده مهدداً وإنه وإن كان يفضح زيف الشعارات المرفوعة والخطابات الجوفاء فإنه يجعل عزمنا على محك.
القرن/ إذا كانت الصورة قاتمة بهذا الشكل فكيف ستواجهون التحدي وماهي الخيارات أمامكم؟
السلطان / بكل صراحة أقول: إن التصدي لمسئولية كهذه في ظل واقع كهذا ليس خياراً مفضلاً لشخص يحب نفسه ويريد أن يعيش بسلام مع عائلته ولكن الهروب من الموقف أمر لا يقبله الرجل الكريم على نفسه حتى وإن كان الضوء في آخر النفق مظللاً بالغيوم ولكن الأمل يبقى قائماً لأن المؤمن يجب عليه أن لا يقطع الأمل والنضال بكل الوسائل المشروعة من أجل تحقيقه هو أمر حتمي.
والمسئولية علي الشباب كبيرة جداً في هذا الاتجاه فهم يملكون الحاضر والمستقبل وهم طاقة تغيير أما نحن لا نملك سوى الحيز الصغير من الحاضر ومن هذا الحيز سنخط الطريق ونواصل السير في الطريق الطويل ما أمد الله في عمرنا
القرن/ وصلنا وإياكم حضرة السلطان إلي مرافي ختام الحوار فماذا تود أن تقول؟
السلطان / يعلم الله وأقولها من أعماق قلبي إن كان هناك من شيء أريد أن أكرس له حياتي وأدعو الله بإلحاح أن يوفقني فيه هو تحسين مستوى حياة هذا الشعب الذي عانى كثيراً بكل الوسائل وكافة السبل وستكون الأولوية للتعليم لأن العدو الرئيسي بالنسبة لنا هو الجهل ووضع حد للعبة الموت التي يمارسها انعدام ما يفي بحاجة الناس من المؤسسات الصحية بفتح خطوط جديدة وآفاق تعاون أوسع بدل انتظار من هم بحد ذاتهم يمتهنون مهنة الانتظار بلافتات ومسميات، فهنالك الكثير من المنظمات والمؤسسات لازالت تؤمن بالإنسانية وفعل الخير ومستعدة للتعاون وعلينا القيام بكثير من المبادرات لإنجاح هذه المساعي.

أجرى الحوار/
جمال أحمد ديني