نجحت الدبلوماسية الكينية السودانية فى الإبقاء على احتمالات التوتر فى العلاقة بين البلدين فى حدودها الدنيا والأزمة الراهنة فى سبيلها إلى الانقشاع
برز الخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان حول تصدير النفط وكذلك التوتر الذي خيم علي العلاقات السودانية الكينية كأهم قضايا الساعة التي تفرض نفسها علي الساحة الإقليمية ساعية بأن تجد إجابة مقنعة وبدورنا حملنا هذه التساؤلات وغيرها من الأسئلة واتجهنا بها لسعادة سفير جمهورية السودان لدي جيبوتي والمندوب الدائم للإيقاد الدكتور/حسن عيسى الطالب وأجرينا معه هذا الحوار:
القرن /كيف تنظرون إلي قرار السودان بوقف تصدير نفط الجنوب عبر أراضيه وتداعيات هذا القرار؟
السفير/ وصلت حكومة السودان الحد فيما يخص تصدير نفط الجنوب عبر اراضيها ,إذ أنها مدت حبال الصبر كي تستجيب حكومة الجنوب للمطالبات التي يفترض ان تسددها منذ نحو أربعة أشهر حيث أنها لم تلتزم بما عليها من مديونيات منذ الانفصال حتى بلغت أكثر من (700) مليون دولار ,فجاء قرار الحكومة بإيقاف تصدير النفط عبر ميناء بورتسودان .
وبرغم خطورة القرار الذي صدر في توقيت خطير اذ ان الدولتين فى حاجة الى عائدات البترول الا ان حكومة السودان كان لابد لها ان تخطو هذه الخطوة ,فحكومة الجنوب التي استمرأت المماطلة في حسم القضايا العالقة والقضايا ذات الاهمية القصوى كما كانت تفعل ذلك فى قضية ابيى وقضية الحدود بين الدولتين والتى ما زالت تداعياتها مستمرة ينبغي للحكومة أن تعاملها بحسم.
والامر الآن اختلف تماما فنحن نتعامل مع دولة أجنبية, فمن الأوفق والأفضل أن نضع النقاط على الحروف فى اى اتفاق نعقده مع حكومة الجنوب بمعنى ان تكون الرؤى واضحة والاتفاقيات قابلة للتنفيذ الفوري دون ان نتيح فرصا للمماحكة او المحاصصة او حتى المزايدات السياسية ,فقضية مثل تصدير النفط لا تحتمل التمادى او التمترس فى خندق الضغط والابتزاز لان الدولتين فى حاجة ماسة لعائدات النفط الذى يمثل للسودان حوالي(40%)من الإيرادات وللجنوب أكثر من( 90%) من إيراداته ، فيما يبدو ان حكومة الجنوب تماطل بل تراوغ لتحديد سعر الصادر ،و لم تضع هذه الخطوة التى اتخذتها حكومة السودان في حسبانها لذا من المتوقع ان تبدي مرونة خلال المفاوضات التى تجري الآن باديس ابابا برعاية ثامبو امبيكى الوسيط الافريقي, ويمكن ان تعجل بحسم القضايا العالقة التى طال امدها ومن بينها مسألة الاتفاق على سعر يدفع لحكومة السودان مقابل عبور النفط ونقله عبر الشمال والذي من المفترض ان تلتزم به حكومة الجنوب بحسب وعدها الذى قطعته حينما ارسلت خطابا بهذا الخصوص, ولكنها نكصت عن العهد وظلت حكومة السودان توفي بالتزامها بتصدير شحنات النفط عبر اراضيها مقابل لا شئ بينما الجنوب يقبض كل شئ !!
القرن/ التوتر الشديد في العلاقة السودانية الكينية علي خلفية مذكرة التوقيف إلي أين؟
السفير/ حينما كان الأفارقة يناقشون في غينيابيسا وفي ماليبو في القمة التي عقدت تحت شعار التكامل الاقتصادي الإفريقي . التحديات التي تواجه القارة الإفريقية في هذه الألفية إذا بالقاضي الكيني يفاجئنا بقراره الغريب في خضوع واضح للضغوطات التي تمارسها محكمة الجنايات الدولية على بعض الدول الأفريقية ونحن نعلم جميعا أجندة تلك المحكمة التي لا تمت لأفريقيا بأي صلة طبعاً بعد أنه قرر السودان استدعاء سفيره في كينيا وطرد السفير الكيني من السودان . تعامل الرئيس الكيني مع الموضوع بحكمة ورشد وهذا هو ما نعرفه عن الرئيس : ماواي كيباكي الذي دعا الرئيس البشير للمشاركة في إجازة الدستور الكيني الذي تم الاستفتاء عليه والذي ينص على سيادة كينيا
ونجحت الدبلوماسية الكينية والسودانية فى الابقاء على احتمالات التوتر فى العلاقة بين البلدين فى حدودها الدنيا، من خلال الادارة الحكيمة للأزمة الناشبة عن قرار المحكمة الكينية العليا المطابق لقرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر البشير، وكانت سيناريوهات الأحداث تشير إلى تصعيد خطير خصوصا بعد طرد السفير الكينى واستدعاء السفير السودانى من نيروبى، وهو أقصى درجات التصعيد فى العرف الدبلوماسى ولكن القيادة الدبلوماسية فى البلدين سارعت الى التأكيد بأن هذه الخطوة ليس بالضرورة أن تفسر بمثابة قطع أو تجميد للعلاقات ولكنها ردة فعل موازية للصدمة التى أحدثها قرار المحكمة للحكومة الكينية أولا ثم السودانية ،
الأزمة الراهنة فى سبيلها إلى الانقشاع، بعد أن سارعت كينيا الرسمية الى إعادة التأكيد على موقفها السياسى من مسألة المحكمة الجنائية الدولية وتجديد التزامها بالإجماع الافريقى على (تجاهل) قرارات المحكمة بشأن الرئيس البشير، وكان يمكن للحكومة الكينية أن تكتفى بالقول إن القرار صادر عن محكمة وسيخضع للاستئناف ونحن لا نتدخل فى قرارات المحكمة عملا بمبدأ الفصل بين السلطات، ولكنها سارعت الى نزع كل ما من شأنه تصعيد التوتر سياسيا برغبتها إرسال مبعوث رئاسي للخرطوم وتوجيهها المدعى العام لاستئناف القرار فى أقرب وقت ممكن
والدبلوماسية السودانية يحسب لها انها تفهمت منذ البداية الظروف التى صاحبت صدور القرار القضائى حيث ظلت الحكومة الكينية منذ اغسطس الماضى عندما قدمت الدعوة للرئيس البشير لحضور مراسم التوقيع على الدستور الجديد تتعرض لأشرس حملة داخلية وخارجية بسبب استضافتها البشير، ودافعت حينها عن ذلك القرار ولكن من يقرأ الساحة السياسية فى كينيا يجدها مشحونة ومشغولة بالمحكمة الجنائية الدولية ، ويري أن للمحكمة الجنائية ومن يقف وراءها نفوذا فى المشهد السياسى والاعلامي الكينى الذى ظل يمارس الضغط على القضاء لاستصدار مثل هذا القرار الذى وصفه وزير الخارجية الكينية بغير المفيد والمهين للإجماع الأفريقى
القرن /وماذا عن مذكرة اعتقال جديدة ضد وزير الدفاع السوداني؟
السفير/ هكذا تستمر هرطقات المستر لويس مورينو اوكامبو المدعي الجنائي الدولى الذي يسابق الزمن بسرعة صاروخية قبل ان يتقاعد خلال الاشهر الاولى من العام القادم ..ليحصد كل البريق الذي يمهد استغلال متبقى فترة بقائه في هذا المنصب ليستغل ذلك الرصيد في حياته العملية القادمة خارج مبانى المحكمة الجنائية في مدينة (دن هاق) الهولندية وهو الاسم الثاني لمدينة لاهاي وربما لا يريد اوكامبو العودة لموطنه الأصلي في دولة الارجنتين لان الرجل ربما يريد ان يستغل صداقاته في أوروبا لكي يحصل على وظيفة عقب نهاية حقبة توليه للنيابة الجنائية والتى أعطته من الشهرة ما لم يجده جميع رؤساء الارجنتين وقد كانت اخر بدع وتقليعات اوكامبو هي اصدار مذكرة اعتقال جديدة ضد وزير الدفاع السوداني الاخ عبدالرحيم محمد حسين ولا ندري ان كان تزامن ذلك مع اقتراب موعد اعلان الحكومة السودانية الجديدة هو امر جديد ام جاء مجرد المصادفة ؟ وبهذه الوتيرة الاوكامبوية في اخراج المسرحيات لا نستبعد بان يصدر المدعى الجنائي الدولى المزيد من مذكرات الاعتقال خلال الاشهر المتبقية من ولايته ضد المزيد من الشخصيات السودانية
القرن/وماذا تقولون عن التحالف بين الحركات المسلحة الساعية لإسقاط النظام ؟ وأين وصلت جهود توسيع دائرة المشاركة السياسية في الحكومة العريضة؟
السفير/ إن هذا الإعلان للحرب علي الدولة والبلد الصادر عن هذه الحركات المتمردة ناتج عن توهم كبير بأن باستطاعتها ان تسقط نظام وهي لا تملك سندا جماهيريا ولا قبولا يؤهلها لذلك وهي بذلك لا تسعي إلا إلي تنفيذ اهداف وبرامج جهات معادية للسودان التي تسعى لمشروع السودان الجديد والذي يعني تحطيم السودان القديم وتفتيته لصالح القوى التي رعت وانشأت هذه الحركات ولكنهم جميعا واهمون اليوم ليس كالأمس.
وفيما يتعلق بالحراك السياسي فإنه بعد جولات وصولات من الحوار الطويل المتواصل بين كل من المؤتمر الوطني ومختلف القوي والأحزاب السياسية حول المشاركة في الحكومة العريضة والتي طرحها السيد الرئيس في إعقاب انفصال جنوب السودان في مطلع يوليو الماضي والتي تهدف الى الوصول الى الوفاق الوطني بدرجة كبيرة وذلك من اجل الاستقرار السياسي والاقتصادي والذي كما هو معلوم يتطلب توسيع دائرة المشاركة السياسية في الحكم وعدم الاكتفاء بالتفويض الشعبي الممنوح للمؤتمر الوطني في الانتخابات الاخيرة والتي جرت في مطلع العام الماضي ولكن فقد جاء طرح موضوع الحكومة العريضة نسبة للتطورات الكبرى التي حدثت في البلاد عقب انفصال الجنوب ولذلك كانت فكرة توسيع مواعين المشاركة وا تعيش لبلاد الآن أجواء سياسية وفاقية وتجري حاليا المشاورات بين المؤتمر الوطني وبقية القوى السياسية الاخرى حول استكمال اجراءات المشاركة في الحكومة الجديدة التي تقول كل المؤشرات بانها ستكون صاحبة اوسع تمثيل على مر التاريخ السياسي السوداني و في كافة العهود الماضية وهذه في حد ذاتها تعد من اكبر مكاسب الحكومة ذات القاعدة العريضة التي بشر بها السيد رئيس الجمهورية في اعقاب انفصال الجنوب
في حين ستبقي بعض أحزاب المعارضة الوطنية ملتزمة بالقيام بدور المعارضة المسئولة التي تفرق بين معارضة النظام الحاكم ومعارضة الوطن التي يقوم بها بعض من الذين اصابهم مرض نقص المناعة الوطنية
القرن / هل نجحت اتفاقية الدوحة في الدفع نحو السلام في دارفور؟
السفير/ إن اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور قد نجحت وأنا أعتقد أن أهم عوامل النجاح بالنسبة لاتفاقية الدوحة أن كل شيء في قضية دارفور بلغ مداه الحرب بلغت مداها حتى أصبحت بلا منطق والحركات المسلحة في دارفور بلغت مداها، حيث بلغت 47 حركة لدرجة أن فرداً واحداً أصبح يمثل حركة وكذلك التفاوض والمثابر بلغت مداها حتى أننا لم نترك بلداً عرضت فيه مبادرات للتفاوض إلا وتفاوضنا فيه وبلغنا حتى في مفردات التفاوض ولا توجد قضية تفصيلية لم تناقش والشعب في دارفور ذاته بلغ المدى وبدأ يسأل أسئلة واضحة عن جدوى الحرب ويقنع بأنه لا جد جدوى للحرب بأي حال من الأحوال
لأن الحرب لا تلد تنمية ولا عدلا ولا مساواة ولا توحد المواطنين وتسعدهم وانما تبدد استقرارهم وتضيع عليهم الفرص المتاحة من اجل التنمية والاستقرار. وقد تبنت وثيقة الدوحة المطروحة على الارض الكثير من ذلك وبوسائل محددة منها الصناديق والمصارف المتخصصة والجهود التي تقوم بها الدولة في ذلك الاطار ايضا. ذلك علما بان الوثيقة المذكورة لم تدع فرصة لالتماس طريق آخر هو طريق الحرب واللعب على عنصر الوقت.
لقد ضلت الحركات الدرافورية المتمردة المتبقية الطريق بدخولها في المسار الذي ولج اليه قطاع الشمال وحركته الشعبية بعد هزيمتهما في الانتخابات التكميلية الاخيرة وفي ولاية جنوب كردفان. وذلك بعد ان انحاز الشعب والاحزاب هناك الى خيار الديمقراطية والاستقرار والسلام ونحسب ان الشئ ذاته تلوح ملامحه في دارفور اذا ما كانت الديمقراطية والسياسة هما الحل هناك وليس الحرب . ذلك ان المواطن الدارفوري سئم الحرب وبات من شأنه ان يحسب حساب مصلحته خصما على التجارب الفاشلة التي لم تقد الى نتيجة مقبولة خلال عشر سنوات قضاها انسان دارفور في النزوح والملاجئ وانتظار العون الانساني وهو المعروف بما لديه من ثروة زراعية وحيوانية ودخل في الفترة الاخيرة مجال التعدين للذهب وغيره ولاحت له فرص اخرى.
ان هذه الحقائق وغيرها تقود كلها الى ان يعرف الجميع واقع الحال ومن ثم يقوموا بعمليات جرد وجمع وطرح ليصلوا في النهاية الى المحصلة وهي في كل الاحوال خاسرة والحركات الدارفورية المتمردة ما تزال في هوسها القديم
والعامل الآخر توفر إرادة سياسية قوية لدى كل الحركات الموقعة على هذه الاتفاقية والمنضوية تحت التحرير والعدالة وكذلك إرادة سياسية قوية وحاسمة لدى الحكومة تجاه إنقاذ هذه الاتفاقية.
والعامل الأخير: تمهيد الحكومة للنجاح منذ ثلاث سنوات إستراتيجيتها التي رصدت ميزانية كبيرة لتنمية دارفور أدت إلى إحداث نقلة حقيقية أقنعت المواطنين بجدوى السلام ومخاطر الحرب على الأرض والإنسان..!
القرن/ونحن نصل معكم سعادة السفير إلي مرافي ختام الحوار ماذا تود أن تقول ؟
السفير/ تواصل العلاقات الجيبوتية السودانية تقدمها منذ استقلال البلدين وظلت تنمو وتتطور باستمرار أولا بفضل الاستقرار السياسي في جيبوتي وتوفر الإرادة السياسية لدى النخبة السياسية السودانية في تعزيز علاقات السودان مع مختلف الدول في الإقليم ومع جيبوتي علي وجه الخصوص وكان من ثمار هذه العلاقات المتميزة تبادل الوفود بين البلدين ووجود عدد كبير من الطلاب الجيبوتيين في السودان وكذلك وجود سودانيين يقيمون في جيبوتي ويساهمون في مجالات متعددة وهذه القاعدة الصلبة من العلاقات بين البلدين تؤسس لانطلاقة كبيرة نحو مستقبل يلامس تطلعات الشعبين الشقيقين في خلق واقع للتكامل من أجل التقدم والازدهار بناءاً على هذه الإرادة السياسية المشتركة .
والتي بدأت تشهد ترجمة فعلية من خلال منح السودان أرضي زراعية تستثمر لمصلحة الشعب الجيبوتي .
كما شارك السودان في تأسيس مستشفى اكتملت الآن أعمال بنائه ولم يبقي إلا تجهيزه وقد وصلت كل المعدات اللازمة وسيتم افتتاحه مطلع العام القادم وسيقوم بخدمة أهلنا في جيبوتي هناك أفكار كثيرة في مجال الصناعة والعلاقات الاقتصادية والتجارية والتي ستطور عبر اللجان الوزارية المشتركة بين البلدين .

أجري الحوار
/جمال أحمد ديني