خاض الشعب الليبي ثورة خالدة للانعتاق والتخلص من نظام طاغية العصر وانتصر في معركة التحرر الثانية والتحول إلي بناء ليبيا الحرة الديمقراطية
ومواكبة لهذا التحول التاريخي الذي تشهده ليبيا وللوقوف علي التحديات التي تواجهها حكومتها الانتقالية وسبل التغلب عليها وأولوياتها في هذه المرحلة سواءا علي مستوي الساحة المحلية أو علي مستوي علاقاتها الاقليمية والدولية التقت القرن القائم بأعمال السفارة الليبية الدكتور/ الهادي الوحيشي وأجرت معه هذا الحوار
القرن/ بعد الأحداث المتسارعة التي شهدتها ليبيا خلال الشهور الثمانية الأخيرة، والتي أدت الى سقوط حكم القذافي في نهاية المطاف، ما هي قراءتكم للأوضاع الراهنة في البلاد ؟
الدكتور الهادي / الأوضاع في ليبيا تسير حثيثاً من الحسن إلي الأحسن ، والليبيون يعرفون جيداً كيفيه التعامل معها ، وهناك اتفاق ضمني بين الليبيين للتخلص من نظام معمر القدافي الطاغية الذي حكم البلاد ، 42 عاماً بالنار والحديد وقد عانت فيها ليبيا والشعب الليبي صنوف العذاب والألم ما لم يعانيه أي شعب في العالم من الدكتاتورية والإنفراد بالسلطة ، وبرغم ذلك فإن الشعب الليبي سيتعافى سريعا من أثار ذلك النظام الظالم ليلتفت لبناء دولة ديمقراطية حديثة من خلال المصالحة والحوار الوطني ، ومن المعروف إن المجتمع الليبي يتميز بالانسجام والتجانس بين جميع أطيافه وألوان طيفه ، برغم محاولات الطاغية ومحاولة النظام السابق بث الفرقة وإثارة الحساسيات بين القبائل الليبية ولكن دون جدوى ، ولا توجد بين الليبيين طوائف ومعتقدات دينيه أو قومية حيث معظم الليبيون إن لم يكن كلهم يدينون بالإسلام والمذهب السني المالكي ، وهذا عامل مساعد كبير لتحقيق المصالحة وبناء ليبيا الديمقراطية ، وقد تم تشكيل الحكومة الانتقالية بانتقائية ونجاح منقطع النظير وهي في أغلبها من أصحاب الكفاءات والتكنوقراط القادرين على قيادة البلد في المرحلة الانتقالية القادمة وهي مرحلة صعبة و لم يبقي لهم سوى سبعة أشهر وهذه الفترة بالغة الأهمية وأعتقد جازماً أنهم قادرين على الوصول بليبيا إلي بر الأمان نظرا إلي أن التشكيلة متجانسة ومتوازنة وقادرة على العمل في هذه المرحلة.
القرن /يعترض بعض الليبيين على تشكيلة الحكومة الليبية الجديدة بدعوى أنها لم تتشكل وفقا للوعود التي أطلقها المجلس الوطني الانتقالي.. هل هذا الاعتراض في محله أم لا ؟
الدكتور الهادي / إن الاختلاف على تشكله الحكومة الجديدة الليبية وارد ، وهذا يحصل في جميع الدول الديموقراطية وجميع دول العالم وخاصة في مثل هذه المرحلة الانتقالية وأمام هذه التجربة الحديدة على الشعب الليبي ، لأن النظام السابق كان نظاما شموليا غير ديمقراطي ولم يكن يسمح بمثل هذه الأعمال ، والليبين كانوا مغيبين عن الحراك السياسي وليس لديهم تجربة فعلية في مجال الممارسة السياسية لعدم وجود أحزاب ومؤسسات حقيقية لتأطير العملية السياسية وذلك على مدى ستين سنة أو أكثر بدءاَ من العهد الملكي بما فيهم رئيس الوزراء والوزراء لم يعرفوا يحزاك السياسي ولا المشاركة السياسية وبالتالي تعتبر هذه التجربة جديدة على جميع الليبين ، والاعتراضات في هذه الظاهرة تعتبر صحية وصحيحة ، ولكنها ليست في محلها من وجهة نظري لأن هذه الحكومة مؤقتة ولفترة محددة ومناط بها الكثير من الأعمال وبالتالي فإن اعتمادها على أساس اختيار الكفاءات القادرة على مسؤوليات هذه المرحلة الانتقالية وتنظم الأمور وتنقل البلد من الثورة "إلي دولة بأسرع وقت ممكن وبالتالي يجب الوقوف معها ومساعدتها ، لذلك لا أري أن الاعتراضات في محلها في هذا الوقت بالذات لأن الحكومة لم تبني على أساس المحاصصة كما ذكرت ، ولا على أسس جهوية أو منح المقاعد على أساس جغرافي ومناطقي ، وما على الليبيين في هذه المرحلة إلا مساعدتها والوقوف معها بكل ما أوتينا من قوة ، وأود الإشارة في هذا الصدد إلي الدول التي لديها أرصدة ليبية مجمدة أن تسرع في الإفراج عنها لتتمكن الحكومة الانتقالية من ممارسة عملها بشكل جدي وفعلي ، وقد سبب تجميد الأموال الليبية مشكلة حقيقية لهذه الحكومة ، ونسمع في الأخبار ومن هذا المنبر أدعوا الدول التي لديها أرصدة ليبية أن تفرج عنها فورا وتساند الليبيين لتشكيل حكومتهم وبناء دولتهم ، وعلينا نحن كليبيين وكمجتمع عربي أو دولي أن ندعم هذه الحكومة ونشجعها على العمل ونؤجل الحكم عليها للمرحلة القادمة .
القرن /ما هي تحديات المرحلة الجديدة، وهل السلطات الحالية قادرة على تجاوزها ؟
الدكتور الهادي / تواجه الحكومة الانتقالية الجديدة تحديات كثيرة ومن أهم هذه التحديات التحديات الأمنية والعمل على بسط سلطة الدولة وإزالة مظاهر التسلح وخاصة في العاصمة طرابلس وما ينتج عنه من احتكاكات يوميه بين الثوار والمجالس والعسكرية المختلفة وما يصحب ذلك من حساسيات وتصعيد في المواقف ، وقد تم إعطاء مهلة لمدة أسبوعين وهي غير كافية في الحقيقة لخروج الثوار التابعين لمناطق غير طرابلس مثل مناطق الجبل الغربي ومسراته والزنتان و غيرها من المدن الأخرى بعد إنهاء مهمتهم بنجاح ودورهم المقدر في القضاء على الحكم البغيض.
وإذا ما نجحت الحكومة في فرض الأمن وإخراج الثوار وإعادتهم إلي مناطقهم تكون قد قطعت شوطاً كبيراً في طريق الاستقرار والتفرغ للمهام الموكلة إليها في المرحلة القادمة ، وهي مهام صعبة وثقيلة والتحدي الثاني هو التحدي الاجتماعي والمصالحة الوطنية وفتح باب الحوار بين جميع أطياف المجتمع الليبي لتسوية بعض المشاكل العالقة والتي ترتبت في الحقيقة علي الصراع مع كتائب القذافي وأعوانه وعلى مدى ثمانية أشهر أو يزيد وما نتج عنها من خسائر في الأموال والأرواح والممتلكات أنا أرى أن تشكيل وزارة خاصة في هذا الصدد تهتم بشؤون الجرحى وأسر الشهداء دليل على وعي الليبين بأهمية هذه الشرائح بما قدمته من تضحيات في سبيل الثورة ، وأرجو لها كل النجاح والتوفيق لمواجهة أكبر التحديات لإدماج هذه الشرائح من الجرحي والمعاقين.
ظلت ليبيا صاحبة دور رائد خلال العقود الأربعة الماضية على الصعيد الافريقي، هل سيكون لها نهج مغاير في المرحلة القادمة خاصة وان الاتحاد الإفريقي لم يعترف بالمجلس الانتقالي الليبي إلا بعد سقوط حكم القذافي؟
الدكتورالهادي/ هذا الموقف الذي جاء . متأخراً وهزيلاً ومتخلفا في الحقيقة، ولكن مع هذا فالثوار الليبيون والحكومة الليبية و المجلس الإنتقالي الليبي لا يعير هذا أهمية كبيرة وعدم اعترف الإتحاد الإفريقي بالمجلس الوطني الانتقالي له مبرراته وله أسبابه وظروفه ، لان القذافي كان محتويا لهذا الإتحاد لأنه كان يصرف عليه ويدعمه ومن حقهم يعترضوا في البداية ولكن في النهاية اعترفوا وانتهى الأمر وصحيح أن اعترافهم جاء متأخر ولكن أحسن من أن لا يأتي ، وليبيا عضو مهم في الاتحاد الإفريقي وستظل عضوا.وسيكون دورها فاعلا وأكثر فاعلية في المستقبل وأكثر احتراماً وبأسلوب مختلف.
القرن / ماذا عن العلاقات الجيبوتية الليبية ؟
الدكتور الهادي / أود من خلال جريدتكم الموقرة أن أتوجه بالشكر إلى جمهورية جيبوتي حكومة وشعباً خلال ما تلقيته وخلال سنتين من عملي في هذه السفارة من التعامل الراقي وخاصة من طرف وزارة الخارجية والتعاون الدولي وبالتحديد من طرف معالي وزير الخارجية السيد/ محمود على يوسف وجميع العاملين في إدارة المراسم والدائرة العربية الذين كنت أتعامل معهم بشكل شبه يومي.
وأود أن أؤكد في هذه المناسبة على أن موقف جمهورية جيبوتي من الثورة الليبية قد عبر عنه منذ البداية مندوبها الدائم في جامعة الدول العربية في انعقاد مجلس الجامعة على مستوى المندوبين ووقوفهم مع الإجماع العربي والموافقة على البيان الذي أصدرته الجامعة العربية من تعليق مشاركة وفود قذافي في اجتماعات الجامعة وما لحقه من تعليق لمشاركة وفود القذافي في اجتماعات الجامعة وما أعقب من قرارات ساهمت في تحويل الموضوع إلى مجلس الأمن وفرض الحظر الجوي.
وقد اعترفت جيبوتي بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي للشعب الليبي بتاريخ 24/8/2011 م وذلك بعد تحرير مدينة طرابلس مباشرة وقد باركت جيبوتي جميع الخطوات التي قام بها المجلس الانتقالي فيما بعد وخاصة نجاحه في تشكيل حكومة انتقالية جديدة وقد عبر عن هذا بوضوح معالي وزير الخارجية والتعاون الدولي السيد/ محمود على يوسف من خلال تهنئته لنظيره الليبي الجديد السيد/ عاشور بن خيال وزير الخارجية والتعاون الدولي في ليبيا 5/12/2011 م وقد عبر فيها معالي الوزير الجيبوتي بترحيبه بتشكيل الحكومة الجديدة مؤكداً علي الاهتمام ومتابعة التطورات التي تشهدها ليبيا وتطلع في نفس الوقت إلى عهد جديد في العلاقات الأخوية مع ليبيا الجديدة بغية تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين وتطويره في شتي المجالات والسلطات الليبية تثمن عاليا مواقف جيبوتي وسيتم التعبير عنها حالما تستقر الحكومة الجديدة وتباشر أعمالها بشكل طبيعي خلال الفترة القريبة المقبلة.