مع إطلالة الذكرى الأولى لثورة 17 فبراير التي فجرها الليبيون في مثل هذا التاريخ من عام مضى تاركا بصماته وتاريخه..ومع حلول هذه الذكرى في يوم يحيي فيه الليبيون هذه الذكري الفارقة في التاريخ . ليكتب صفحة جديدةوبهذه المناسبة التقينا سعادة القائم بأعمال السفارة الليبية الدكتور الهادي الوحيشي / وأجرينا معه هذا الحوار :-
القرن / بمناسبة الذكري الأولي لثورة 17 فبراير فلنطل معكم سعادة السفير علي المحطة الأولي وتجليات انتصار الثورة؟
القائم بأعمال السفارة الليبية / في البداية أحب أن أنتهز هذه السانحة لأتوجه بالتهاني إلى الشعب الليبي و كل المناضلين الشرفاء في العالم وأ حيي بهذه المناسبة جمهورية جيبوتي الشقيقة رئيسا و حكومة و شعبا.
وأود أن أتوجه من خلالكم بالشكر العميق إلى الإخوة في وزارة الخارجية و على رأسهم معالي وزير الشؤون الخارجية السيد/محمود علي يوسف, على تعاونهم و مساندتهم للسفارة و تسهيل إجراءاتها و الاستجابة لطلباتها,و الشكر موصول إلى صحيفتكم و جميع العاملين بها على ما أوليتموه من اهتمام بشؤون الثورة الليبية ولا يفوتني أن أشكر السادة في الإذاعة و التلفزيون الجيبوتي على استعدادهم الدائم لإجراء المقابلات و الاهتمام بالمناسبات الليبية.
ومن خلال هذا المنبر نجدد الدعوة لأشقائنا في جيبوتي للعمل معا على تفعيل العلاقات الثنائية بين جمهورية جيبوتي و ليبيا الجديدة و الاسراع في انعقاد اللجنة الليبية- الجيبوتية المشتركة والتي تعطل انعقادها لأكثر من 30 سنة حيث كان اخر انعقاد لها 1981 بمدينة طرابلس.
وفيما يتعلق بالاجابة علي سؤالكم حول ثورة 17 فبراير نستطيع القول أن الثورة في ليبيا انطلقت في الحقيقة يم 15 فبراير على إثر اعتقال محامي ضحايا سجن أبو سليم في بنغازي (و الضحايا يفوق عددهم 1200 سجين تم إعدامهم و تصفيتهم في ساعات على بد القذافي و نظامه) , فخرج أهالي الضحايا و مناصريهم لتخليص المحامي لعدم وجود سبب ظاهر لاعتقاله,وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات بمدينة البيضاء شرق بنغازي للمطالبة بإسقاط النظام,فأطلق رجال الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين و قتلوا بعضهم, كما خرجت في الوقت نفسه مظاهرات كبيرة في مدن الزنتان و الرجبان و الزاوية في غرب ليبيا حيث قام المتظاهرين في الزنتان بحرق مقر اللجان الثورية, و مركز الامن المحلي و مبنى البنك العقاري بالمدينة.و جاء يوم الخميس الموافق17فبراير 2011 على شكل انتفاضة شعبية شملت عددا من المدن الليبية في المنطقة الشرقية و اتسعت رقعة هذه الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 شخص ما بين قتيل و جريح برصاص قوات الأمن و المرتزقة الذين تم جلبهم من قبل النظام, وقد تأثرت هذه الاحتجاجات بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي و خاصة في شمال إفريقيا مطلع العام المنصرم2011 و هو ما يعرف( بالربيع العربي)و خاصة الثورة التونسية و ثورة 25 يناير المصرية اللتين اطاحتا برئيسي الدولتين.
وقد قاد هذه الثورة الشباب الليبي اللذين طالبوا بإصلاحات سياسية و اقتصادية و اجتماعية, حيث كانت الثورة في بدايتها عبارة عن احتجاجات و مظاهرات سلمية,و لكن مع تطور الأحداث و قيام الكتائب التابعة للقذافي باستخدام القوة المفرطة واستعمال الأسلحة النارية الثقيلة و القصف الجوي في قمع المتظاهرين العزل, تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بالقدافي و نظامه و أبنائه الذين سعوا لوأد ثورة الشعب الليبي وقرروا القتال للحظة الأخيرة, و بعد السيطرة على على كامل الشرق الليبي,ودخول الثوار طربلس العاصمة في يومي21و22 أغسطس 2011 و اقتحموا باب العزيزية مقر إقامة القدافي المحصن و سيطروا بذالك على المدينة, أعلن الثوار ليبيا الحرة بقيادة المجلس الوطني الانتقالي و تمكنوا بعد ذلك من السيطرة على اخر معاقل القدافي و تم قتله في مسقط رأسه مدينة سرت في ال 20 من شهر أكتوبر2011م.
القرن / بعد مرور عام علي انطلاق ثورة 17 فبراير كيف تقيمون منجزات الثورة واستحقاقات حمايتها والنهوض بليبيا الجديدة ؟
القائم بأعمال السفارة الليبية / انتهت مرحلة القذافي، وتنفس شعب ليبيا الصعداء، بعد أكثر من أربعة عقود من حكم التسلط والفساد والاستبداد . تمكن الليبيون بعد تضحيات جسيمة، في صراع هو الأعنف بين ما شهدته البلدان العربية التي مر بها موسم “الربيع العربي”، من تحقيق الخطوة الأولى على طريق طويل شاق وصعب.فقد مرت سنة تقريبا على انتفاضة الشعب الليبي على جلاده في17 فبراير2011م, حيث أصبح المواطن الليبي أكثر وعيا و دراية بالعمل السياسي الديمقراطي,وأكثر تطورا ونضجا في رؤيته السياسية واكتسب قدرة أفضل علي التعاطي الأمثل مع اللعبة الديمقراطية في فترة وجيزة مستوعبا لأسس النظام الديمقراطي و تركيبته و مؤسساته ,و هو ما لم يتحقق له فترة النظام الدكتاتوري خلال 42 عاما عاشها تحت مظلته, و قد تجلى ذلك بوضوح في المظاهرات ضد مسودة قانون الانتخابات لأعضاء المؤتمر الوطني الذي سوف تكون مهمته الأساسية وضع دستور جديد لليبيا ونستطيع القول الآن أن الشعب الليبي أصبح واعيا و قادرا على تحديد مسيره وصنع مستقبله , و نحن نسير في الطريق الصحيح و يجب على الشعب الليبي أن ينهض بمهمته التاريخية المتمثلة في العمل علي بناء ليبيا جديدة، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ومن كل النواحي، ليبيا حديثة ديمقراطية موحدة، تنبض بالتعددية والانفتاح والتسامح والحريات، استكمالا لأنبل وأشرف معركة منذ جلاء آخر قدم استعمارية عن ترابها.
القرن / ما هي أبرز التحديات التي تواجهها الثورة الليبية ومقتضيات التغلب عليها ؟

القائم بأعمال السفارة الليبية / هناك ثمة تحديات تفرض نفسها علي الواقع الراهن في ليبيا وعلى الليبيين أن يتغلبوا عليها ويعبروا هذه المرحلة بسلام، لكي يتمكنوا من ممارسة دورهم مع أشقائهم العرب في الدفع بمسيرة النهضة والتنمية فكل الثورات في بدايتها تواجه أخطار وتتعرض لاختبارات صعبة و على الثوار في ليبيا الإنتباه و اليقظة لمثل هذه المخاطر-فسرقه الثورة وارده اذا تم إغفال هذه المخاطر أي أن المطلوب في هذه المرحلة تحصين الثورة ضد مؤامرات الطابور الخامس و المتسلقين و الانتهازيين المتربصين بها.
و على المجلس الوطني الانتقالي و الحكومة الانتقالية سرعة الاستجابة للأحداث و التصدي لها بنجاعة فعلى سبيل المثال التصريحات الأخيرة للساعدي القدافي و مبادرة المجلس لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لإثبات قدرة الحكومة و الدولة على حماية مكتسبات الثورة و مصالحها و المجلس الانتقالي. مطالب أيضا بسرعة تفعيل القضاء الليبي لإجراء محاكمة عادلة لسيف الإسلام وغيره من الفارين إلى تونس ومصر والمغرب والجزائر والنيجر وغيرها من الدول، لأن محاكمة هذه الرموز في غاية الأهمية في الظروف الحالية لحماية مكتسبات الثورة وإثبات قدرة ليبيا على حماية ثورتها والمحافظة علي التوازن، والإبقاء على الأهداف وعدم الوقوع في فخ الانتقام، يعتبر تحديا آخريستوجب الإسراع في معالجة إلغاء مظاهر التسلح وإدماج المتطوعين والثوار في وزارتي الداخلية والدفاع.
القرن / وأمام هذه التحديات والتضحيات التي قدمها الشعب الليبي ماهي الضمانات في وجه تربصات الثورة المضادة؟
القائم بأعمال السفارة الليبية / صحيح أن ثورة 17 فبراير أمام تحديات الثورة المضادة ولكن الشارع الليبي هو صمام الأمان الضامن لنجاح الثورة وتحقيق كامل أهدافها وهذا الشارع الذي أذهل العالم بمقاومته الباسلة للظلم والقهر والقتل العاري والذي أصبح أكثر وعياً، ومن خلال إحساسه بالظلم سيقاوم هذا الشارع بكل جدارة فكرة الدكتاتورية وسيحارب كل من يحاول سرقة أحلامهم ومستقبلهم في بناء دولة ديمقراطية حديثة.
فشلال الدماء التي نزفت من خاصرة الشعب الليبي، فسينبت منارات في قلب الصحراء، تكسو على الزمان مضاء، وتذرع فضاء الثورة والشعب، برسيس الأمل والتفاؤل، وسيعمل الليبيون حثيثاً إلى تحقيق حلمهم في بناء دولة مدنية حديثة، مبنية على المؤسسات والقانون ومبدأ التداول على السلطة.
القرن / وماالذي تم القيام به من أجل العبور إلي واقع الديمقراطية المنشودة ؟
القائم بأعمال السفارة الليبية/ فبعد انتخاب المؤتمر الوطني العام,و هو أول تجربة انتخابية سيجريها الشعب الليبي منذ أكثر من أربعة عقود, و يتكون هذا المؤتمر من مأتي عضو مهمتهم تعيين الهيئة الدستورية التي ستقوم بوضع مقترح دستور ليبيا الجديدة, يعقد بشأنه استفتاء شعبي يشارك فيه جميع الليبيين الذين تتوفر فيهم شروط الانتخاب والتصويت فقد قام رئيس و أعضاء المفوضية العليا للانتخابات التي شكلها المجلس الوطني الانتقالي للإشراف على الدوائر الانتخابية و إصدار القوانين اللازمة لانتخابات نزيهة و شفافة, بأداء القسم القانوني أمام رئيس المجلس الوطني الانتقالي يوم الاثنين الماضي الموافق 13/02/2012م. والتي تتضمن :
- توفير و تجهيز سجلات الناخبين في مهلة معينة سيتم تحديدها خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر.
- وضع خطة لتنظيم الانتخابات قبل حلول يوم 23 يونيو القادم.
توفير الرقابة المحلية و الدولية على الانتخابات من طرف منظمات المجتمع المدني.
-ليس لوزارة الداخلية و لا غيرها من الجهات الحكومية أي دور في الانتخابات القادمة في ليبيا للحيلولة دون أية شبهة تزوير أو تجاوزات.
القرن/ما هي قرائنكم للأفاق المستقبلية علي ضوء كل هذه المعطيات ؟
القائم بأعمال السفارة الليبية /الآمال المعقودة علي مستقبل ليبيا كبيرة وكذلك التوقعات، وأتمنى أن يرقى حكام الجدد في ليبيا لمستوى توقعات وآمال هذا الشعب العظيم.فإ عادة بناء البلاد مهمة صعبة ومكلفة في نفس الوقت، وكذلك إعادة بناء الجيش وتنظيم الأجهزة الأمنية، وإقامة الانتخابات النزيهة، وإصلاح السلطة القضائية ونظام العدالة، وإعادة بناء الاقتصاد وكتابة الدستور، كلها أمور تحتاج إلى تكاتف جهود كافة أبناء المجتمع الليبي.ولأن الشعب الليبي الذي قطع شوطاً طويلاً ملئاً بالتضحيات والآمال ولا يحتمل اقتراف نفس الأخطاء التي وفع فيها نظام القذافي، علينا أن نتعلم من غيرنا ولنبدأ بصفحة جديدة نظيفة وناصعة، ونفسح المجال أمام المصالحة الوطنية بجهود العقلاء ورجالات ليبيا الأفياء والمخلصين الذين تحتاجهم هذه المرحلة الهامة من تاريخ ليبيا وتهيئة المجتمع للتعاطي مع المرحلة القادمة بكل ما فيها من إيجابيات تتجلى في وضع الدستور وتحديد موعد الانتخابات القادمة في التحول السريع إلى دولة الديمقراطية المنشودة بمشاركة كل الليبيين والليبيات لتصبح ليبيا نموذج يحتذي بها إقليمياً ودولياً.
وبهذه المناسبة السعيدة أود أن أتوجه بأحر التهاني وأجمل الأماني للشعب الليبي العظيم الذي حقق الانتصار الباهر بفضل تضحياته ودماء الشهداء التي روت هذه الأرض الطاهرة التي دنسها النظام المقبور القذافي على مدى أربعة عقود فالحمد لله أولاً وأخيراً على هذا النصر المؤزر، وعلى الليبيين الاستعداد للمرحلة القادمة وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة وتجاوز الماضي بكل آلامه ومآسيه.
واسمحولي من خلال صحيفتكم الموقرة أن أتوجه بالشكر العميق لفخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله والحكومة الجيبوتية وإلى جميع أفراد الشعب الجيبوتي الشقيق والذي ستكون علاقاتنا معه أكثر عمقاً وفعالية بفضل إرادة المسئولين في البلدين، علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

أجري الحوار/
جمال أحمد ديني