رغم طول ووعورة الطريق الذي سلكه اليمنيون والمخاطر المحدقة التي اعترضتهم والتي كادت أن تنزلق وتقذف بهم إلى مجاهيل الصراعات والحروب الأهلية والفوضى إلا أن اليمنيين قد أثبتوا قدرتهم على التوافق والعمل سوية وذلك بتغليبهم منطق العقل والحكمة على منطق القوة والعنف وجاءت الانتخابات لتشكل جسر عبور نحو التغيير المنشود ولتكرس مبدأ التحول الديمقراطي والتداول السلمي السلس للسلطة عبر صناديق الاقتراع. ولكن هذه الانتخابات التي مثلت الخطوة الأولى لحل الأزمة هل من شأنها الدفع بالتجربة الديمقراطية في اليمن نحو أفاق أكثر إشراقا وديناميكية، ورسم ملامح مستقبل أفضل للشعب اليمني .وما هي السبل للتغلب علي ما تواجهه اليمن من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية و خارطة الطريق للوصول إلى مرحله التغيير المنشودة، وبكل ما تمثله من قيم العدالة والحداثة، المحققة للمواطنة المتساوية والشراكة في السلطة والثروة . وفي إطار متابعاتنا وتفاعلنا مع التجربة اليمنية ونموذجها للحل حملنا بدورنا هذه الأسئلة وغيرها إلي سعادة سفير الجمهورية اليمنية الشقيقة الأستاذ/ محمد عبدالله حجر وأجرينا معه هذا الحوار :-
القرن / استطاع اليمن بالمبادرة الخليجية تجاوز مأزق الانزلاق نحو الحرب
الأهلية . فهل ستتمكن الانتخابات اليمنية من طي صفحة الأزمة وتقود اليمن إلى التغيير المنشود ؟
السفير/ في البداية أود الترحيب بكم وبصحيفتكم الغراء ويسرني أنتهز هذه الفرصة لأعبر باسم الجمهورية اليمنية حكومة وشعباً عن خالص الشكر والتقدير للشعب الجيبوتي الشقيق ممثلاُ في قائده الحكيم فخامة السيد/ إسماعيل عمر جيله رئيس الجمهورية ولدولة رئيس الوزراء ولرئيس الجمعية الوطنية وأعضائها الكرام على المواقف الأخوية الصادقة والرؤية العميقة والتي تصب في مصلحة الجمهورية اليمنية وتعمل على الحفاظ على وحدة الأرض ووحدة الأمة وبما يخدم الدول الشقيقة المجاورة وكذا دول المحيط الإقليمي والدولي وهو ما تابعناه ولمسناه عبر المواكبة الايجابية للأحداث التي مرت بها اليمن العام الماضي 2011م ومطلع هذا العام رسمياً وإعلاميا ومن خلال أراء المثقفين والحوار معهم من أبناء هذا البلد الشقيق .
وللإجابة على سؤالكم .كما تعلمون أن المبادرة الخليجية جاءت نتيجة للمبادرات والأفكار التي تقدم بها المؤتمر الشعبي العام الحاكم وحلفائه على لسان فخامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح وكذا للأفكار والرؤىً التي كانت تطرحها المعارضة المتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك وشركائه وكان للأخوة في مجلس التعاون الخليجي وبالذات المملكة العربية السعودية وللدبلوماسي القدير السيد/ جمال بن عمر موفد الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن الفضل الكبير في صهر جميع هذه المبادرات والأفكار وبلورتها فيما سمي بالمبادرة الخليجية . كما كان أيضاً للأخوة الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي وللأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين الفضل الكبير بعد الله في جعلها حقيقة قائمة تطبق بنودها على أرض الواقع وبالفعل كانت بمثابة طوق الإنقاذ الأخير لليمن من الانزلاق في مهاوي الحرب الأهلية وكانت المخرج والحل الواقعي والممكن والمتوازن بما يتوافق مع متطلبات الواقع الصارخ والملح نحو التغيير والذي ينشده كافة أبناء اليمن قيادة وأحزاباً ومستقلين ومنظمات المجتمع المدني وشريحة الشباب .وأن هذه المبادرة التي يطلق عليها المبادرة الخليجية والتي هي نتاج وتجميع لأفكار عديدة من شرائح المجتمع اليمني تجسدت فيها مقولة الرسول الأعظم صلى عليه وأله وسلم في حكمة اليمانيين وقوة إيمانهم ومثلت نموذجا مبتكراً وخلاقاً وفعالاً وناجحاً لمعالجة أزمة ما يسمى للأسف بالربيع العربي والذي يتجلى لكل مواطن عربي أن الوقائع التي حفل بها لا تمت إلى كلمة الربيع في اللغة العربية كمدلول لغوي بأي صلة وأتمنى أن يكون نتائج ما حدث مدخلاً لتحقيق آمال وتطلعات شعوب الأمة العربية نحو مستقبل أفضل على كل المستويات وهو ما ظهرت بوادره جلية لهذه المبادرة الخليجية في تنفيذ أحد بنودها الهامة المتمثل في إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في موعدها المحدد 21 فبراير 2012م و يعتبر هذا اليوم حقاً عرساً ديمقراطياً في حياة اليمنيين على درب السير في الطريق الديمقراطي للتداول السلمي علي السلطة .. هذه الانتخابات تعتبر خطوة هامة وفاصلة بين ممارسات مرحلة سابقة ومرحلة لاحقة ، ستؤدي هذه الخطوة وبما ستحققه من نتائج ايجابية إلى التغيير المنشود لكل اليمنيين وعن طريق التالي :
1ـ سترسخ لدى كافة أفراد الشعب الطريقة المثلى للوصول إلى السلطة والاحتكام اليها بعيداً عن القتل وسفك الدماء وتدمير البنية الأساسية للوطن في مختلف المجالات التنموية وما يرتبط بها والجانب الاجتماعي وما أحدثه العنف من انشقاقات داخل الأسرة ، القرية ، المدينة ، ومثل هدم للسلم الاجتماعي للأسف .
والأكثر إيلاما أيضاً ما أحدثته الأزمة من انشقاقات داخل القوات المسلحة والأمن . كل هذه الحوادث والممارسات السلبية تعتبر من أخبار الماضي وهو ما أكدته المشاركة الكبيرة في هذه الانتخابات من مختلف أفراد الشعب بكل طوائفه وفئاته .
2ـ أثبتت الانتخابات إمكانية التعاون والتوافق بين الأحزاب والعمل معاً وهو ما كان له أثراً في نجاح هذه الانتخابات بالمشاركة في الإعداد والإشراف والرقابة المسئولة وهذه تؤكد على إمكانية التعايش وقبول الأخر ونبذ الإقصاء والكراهية من أجل الأمة والوطن .
3ـ الانتخابات والتعاون بين الأطراف المتصارعة قبل وأثناء الانتخابات وان كان محدوداً إلا أنها بداية مشجعة ستخلق ضغطاً أدبياً وشعبياً على الحكومة بما فيها رئيس الوزراء في الخروج ولو بصورة محدودة من الإطار الحزبي والنهج السابق من مناكفات وافتعال معارك داخلية ضيقة هدفها الانتقام والإقصاء واشتداد الصراع الهدام . وتحول المنافسة إلى الأداء الراقي للمهام الوظيفية بما يحقق إنجازات لمعالجة ما أختل خلال العام المنصرم وبالذات ما يتعلق بالخدمات المرتبطة بحياة المواطن اليومية بما فيها الحاجات الأمنية التي هي أساس كل شيئ .
4ـ منح دعم قوي وشرعية كاملة للرئيس التوافقي وقد أوضحت نتائج الانتخابات الرئاسية بشكل صارخ مدى الثقة التي يحظى بها الرئيس المنتخب المشير عبد ربه منصور هادي لدى أفراد الشعب قاطبة والآمال التي يعلقها عليه أبناء الشعب الذين يعولون عليه كثيرا في قيادة الوطن والأمة الى شاطئ الأمان.
هذه الانتخابات ستمكن فخامة الرئيس المنتخب المشير عبد ربه منصور هادي من الوقوف على أرضية صلبة معترف بها داخلياً واقليمياً ودولياً كإضافة الى ما كان يحظى به سابقاً مما يمكنه من مواجهة الضغوط الحزبية أو القبلية أو المصلحية وفي نفس الوقت تشكل عوناً ودعماً له للمضي قدما في تنفيذ بقية بنود المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية وبالذات ما يتعلق بتوحيد الجيش والأمن ، مؤتمر الحوار الوطني ، قضية الأشقاء في جنوب الوطن وفي صعدة ، الحوار مع الشباب، وترميم السلم الاجتماعي والتركيز على الفساد بكل أنواعه وحشد الموارد وتوجيهها نحو ما يخدم المواطن والوطن وبما يحقق المساواة والعدالة والمواطنة المتساوية وهي خطوات تحقق المطالب المجمع عليها للتغيير بصورة عقلانية مدروسة وفي إطار سياسة وإستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات والإمكانيات والواقع الداخلي والمحيط الاقليمي والدولي . وبمعيار الكفاءة والنزاهة والعطاء . إن هذه الانتخابات بتأكيدها مبدأ التداول السلمي للسلطة وان الشعب هو مصدر السلطات وان الأسلوب الديمقراطي هو الأسلوب الأمثل للحكم والتعايش تمثل دافعاً للتوجه نحو التغيير المستقبلي المنشود .
القرن / ماهي أبرز التحديات التي تواجه اليمن بعد الانتخابات ؟
السفير / كانت التحديات كثيرة قبل هذه الأزمة وتزايدت بعدها وأهمها من وجهة نظري بصورة متزامنة :
أـ ترتيب الوضع الداخلي للوطن بدءا بتوحيد الجيش والأمن والوصول الى رؤية مشتركة بين الأحزاب وبالذات المشاركة في الحكم بما يضمن توحيد جهود الأداء والاستفادة المثلى من الإمكانيات والموارد المحدودة وعلى طريق عقد مؤتمر الحوار الوطني لمناقشة قضية الحراك والحوثيين .
ب ـ الوصول الى رؤية علمية وعملية للاستفادة من التعاطف الاقليمي والدولي وبالذات الدول المانحة من الأشقاء والأصدقاء وما يشكله من دعم في معالجة الاختلالات والضعف في مختلف القطاعات التنموية والمرتبطة بالحياة اليومية للمواطن .
ج ـ العمل على خلق آفاق مشجعة للاستثمار والسياحة في رفد القطاعات الاقتصادية المختلفة .
د ـ الوقوف بحزم أمام ظاهرة الفساد وضمان حرية القضاء في أداء مهامه بصورة كاملة تنعكس إيجابا على جميع النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها
هـ ـ الاستعداد الكامل وبالتنسيق مع المجتمع الدولي في اجتثاث القاعدة من بعض المناطق المتواجدة بها ، وبما يمكن اليمن من بسط سيطرته الكاملة على حدوده البرية والبحرية للحد من مشاكل تهريب البشر والسلاح والبضائع وغير ذلك .
وـ الشباب الذي يمثل شريحة كبيرة من المجتمع وقواه العاملة وما يتطلبه ذلك من خلق فرص عمل لهذا العدد الهائل سواء في الإطار المحلي أو باستخدام العلاقة الحسنة مع دول الجوار الخليجية بالذات في المساعدة لاستيعاب إعداد كبيرة منهم .
القرن / ما هي خارطة الطريق الضامنة لليمن تجاوز الكثير من المصاعب الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية في تصوركم ؟
السفير / هناك عوامل داخلية وخارجية تمثل أرضية قوية لخارطة طريق تضمن تجاوز اليمن للكثير من المصاعب الاقتصادية ، السياسية ، الأمنية ، الاجتماعية .. الخ أهمها ما قطعته اليمن على طريق التجربة الديمقراطية من التعدد الحزبي، التداول السلمي للسلطة ، حرية الرأي والصحافة ، منظمات المجتمع المدني ...الخ .
ـ الإصرار لدى الغالبية الكبيرة من أبناء اليمن علي الخروج من هذه الأزمة والتخلص من كل سلبياتها والاستفادة من ايجابياتها .
ـ ما يحويه اليمن من مخزون بشري هائل يمثل ثروة طيبة وخلاقه مع احتياجها لتخصص محدود وقصير لكونها غالبيتها مؤهلة ولما عرف به اليمنيون من الطموح وقوة التحمل والأمانة والإخلاص في العمل والقدرة على التكيف والانصهار في المجتمعات الأخرى مع الحفاظ على الثوابت الدينية والوطنية .
-ما تتمتع به اليمن من تنوع مناخي وزراعي وسياحي وثقافي وثروة سمكية وغازية ومعادن بالإضافة إلي موقعها الاستراتيجي .
الخ ما يجعلها موطناً مناسباً للسياحة والاستثمار .
ـ ما حققته اليمن في مجال البنية الأساسية وبناء الإنسان .
ـ السياسة الخارجية التي تنتهجها اليمن مع الأشقاء والأصدقاء على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي أكسبها احترام وتقدير المحيط الإقليمي والدولي .
ـ الموقف الدولي المتمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2024 وإبقائه الوضع في اليمن تحت المراجعة كذا الموقف الخليجي الأخوي المشرف والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومختلف الدول الشقيقة والصديقة الداعمة لمخرج سلمي للأزمة في اليمن واستعدادها للدعم بمختلف انواعه .
أما خارطة الطريق ذاتها فإن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والمقرة من جميع الأطراف السياسية اليمنية الفاعلة والكبيرة ومن المجتمع الإقليمي والدولي تمثل خارطة طريق موضحة ومحددة المراحل والخطوات والآليات لتجاوز اليمن المصاعب الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية وقد قطعت اليمن شوطاً على طريق التنفيذ لها . .

القرن / بعيداً عن التسميات والمسميات والأوصاف والتوصيف ، ماهي مكاسب وإخفاقات ما حدث في اليمن وأثره على البلاد داخلياً وكذلك إقليميا ودوليا؟
السفير / من أهم المكاسب في تجربتنا اليمنية :
1ـ إرساء مبدأ التغيير ضمن آلية ديمقراطية توافقية .
2ـ قدمنا نموذجاً جديداً ورائعاً للتغيير وهو ما يسمى حالياً ( الحل اليمني ) واعتقد أن ذلك إسهام كبير في تجارب الشعوب العربية . ولا شك أن عدم الانجراف إلى الاقتتال والاحتراب مكسب آخر والأهم أن التجربة اليمنية تعمل من أجل التغيير دون إقصاء أي طرف أو إلغاء أي شريحة في المجتمع اليمنـــي.
3ـ هذه الأزمة عملت على تحريك المياه الساكنة إزاء جوانب هامة في حياة أبناء الشعب أهمها تأكيد أن الشعب هو مصدر السلطات وضرورة محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين ، ترشيد الإمكانيات وتوجيهها بما يخدم ويلامس حياة المواطن اليمني في كل مكان تأكيداً لمبدأ المواطنة المتساوية والتوزيع العادل للثروة.
تنفيذ مبدأ التدوير الوظيفي استناداً علي الكفاءة والنزاهة والدفع لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وتفعيل أجهزة الرقابة القضائية والمالية والرقابيـــة .
4ـ الدفع بمعالجة القضايا الجوهرية بما يحقق خلق مجتمع واحد متجانس ومتفاعل مع الأهداف المرسومة للنهوض بالوطن وبما يساعد القيادة السياسية الجديدة بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وأهم هذه القضايا الجوهرية هي قضية الإخوة في الحراك الجنوبي والإخوة الحوثيين في صعدة . إضافة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي سيركز على معالجة قضايا الشباب في عموم الوطن .
القرن ما المطلوب من اليمن في هذه المرحلة وفي ظل المعطيات الراهنة من أجل التوفيق بين التغيير الذي ينشده والمحافظة على المكتسبات الوطنية؟
السفير/ لاشك أن المبادرة التي يجري تنفيذها في بلادنا مثلت أولاً قاسماً مشتركاً بين القوى والأحزاب اليمنية وقد أخذت حظها من النقاش حتى تم الاتفاق عليها. كما حظيت بمباركة الدول الشقيقة والصديقة ورعايتهم لها وبهذا المعنى فإنها حافظت على ما تم إنجازه سابقاً من مكتسبات وبين الشروع في التغيير ومع الملاحظات أن المبادرة حافظت وأصرت على نقل السلطة عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع لضمان المحافظة على ما تحقق من مسار ديمقراطي سابق وأن لا يأتي التغيير بأساليب غير ديمقراطية مع الحفاظ على الثوابت الوطنية وهي الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية والذي يستدعي التوصل إلى حلول وتوافقات خلاقة تؤدي إلى إرساء مبدأ العدالة والتصدي للفساد والمفسدين والمشاركة في السلطة .

أجري الحوار /
جمال أحمد ديني