إن أي ظاهرة تنتشر وتتوغل بكل سهولة بين المجتمع وتثبت في فترة وجيزة انتمائها إلى منظومة التقاليد والعادات التي تسيطر على اتجاهات وأعمال وممارسات هذا المجتمع ، وبعد ذلك يكون من الصعب محاربة تلك الظاهرة وطردها من الميدان ببطاقة حمراء ترفع من قبل ناشطين أو حقوقيين أو أصحاب رأي ودين يجمعون على ضرورة مكافحتها بالعلم والدين والقوانين ، لأنها تحتمي بالسواد الأعظم من الناس الذين يتمسكون بعقيدة إنا وجدنا عليها آباءنا وتتحصن بمظاهر الجهل والفقر وغياب الوعي كما تتنكر بزي الأخلاق والموروثات والمقدسات ، وقد ينطبق كل هذا على ظاهرة ختان الإناث ، فقد أوضح العلماء أنها خارج الشريعة الإسلامية وتبرأ منها قادة المجتمع التقليديين وكشف الأطباء عن آثارها الضارة وما تشكله من تهديد خطير لصحة النساء والفتيات جسدياً ونفسياً واعتبر الحقوقييون هذه العادة انتهاكا لحقوق المرأة بما في ذلك حقها في السلامة الجسدية ، ومن أجل إنهاء ممارستها صدر قرار أممي من هيئة الأم المتحدة بهذا الخصوص وتشارك منظماتها الدولية كصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة اليونسيف في القضاء على ختان الإناث وخصص يوم عالمي لمكافحته وإبراز خطورته وتنسيق الجهود وتنفيذ الإستراتيجيات الرامية إلى وضع حد له وعلى الرغم من هذه الإجراءات تشير التقديرات إلى أن ما يتراوح بين 100 مليون و140 مليون امرأة وفتاة في جميع أنحاء العالم قد تعرضن لممارسة هذه العادة وأن هناك 3 ملايين فتاة أخرى تواجه خطر التعرض لها سنوياً وإن ذلك يؤكد على الحاجة الماسة إلى التخلي عن هذه الممارسة نهائياً وقطع دابرها واتخاذ إجراءات حاسمة من أجل إنقاذ تلك الفتيات المعرضة لهذا الختان عن طريق حشد طاقات وجهود كافة قطاعات المجتمع ، والجدير بالذكر أنه يتسبب في إصابة الكثير من النساء والفتيات بمعاناة جسدية ونفسية ولكسر حاجز الصمت الذي يحيط بتلك المعاناة أجرينا حواراً مع إحدى ضحايا ظاهرة ختان الإناث التي تخلف وراءها تجارب مريرة وهي السيدة / فاطمة حسن على النحو التالي :
القرن / متى وكيف جرت تجربتك مع ظاهرة ختان الإناث وبماذا تصفينها ؟

فاطمة حسن / جرت هذه التجربة مع هذه العادة الضارة بكل أسف في المراحل الأولية لطفولتي أي في السن الثامن من عمري ، ففي ذات صباح فوجئت بوجود ترتيبات تسبق إجراء هذه العادة ومجيء الخاتنة التي ختنت أختي الكبيرة وأخبروني أنني الضحية الجديدة ، ولم أكن أدرك تماماً خطورتها سوى ما أتذكره من الألم الذي كنت أشاهده في عين أختي وصرخاتها التي كانت تصم آذاني ، وشعرت بالخوف عند مواجهتي لهذه الممارسة ، وإن وجود الأدوات الدامية بيد الخاتنة أثار هذا الخوف ، وبعد وقت قليل تكفلت الأيادي بتخديري تحت مفعول القوة وتعالت صرخاتي وأصبحت مضرجة بالدماء ولم تكن هناك أدوية ومستلزمات طبية تخفف عن آلامي ، ولفت أرجلي بالقماش من أجل التئام الجرح الذي خلفه هذا النوع من الختان وبقيت حبيسة الفراش مع الألم والمعاناة الجسدية مدة تزيد على الأسبوع إلى أن التئم جرحي بالطريقة التي أرادتها هذه العادة وغيرت فسيولوجية بعض أعضائي .

القرن / ماذا أفرزت هذه التجربة من معاناة ومضاعفات صحية ونفسية عندما شعرت بأنوثتك ؟

فاطمة حسن / كنت اُدرك دائما طبيعة هذا التغيير الفسيولوجي الذي تسبب به الختان وكانت له صدمات نفسية كلما تذكرت بما جرى لي من اعتداء ينتحل صفة الشرعية و كلما تبينت بالعلم والدين من خروجه عن دائرة الدين والأخلاقيات والممارسات السليمة عرفاً وقانوناً وتأكدت من أضراره الصحية ، التي أصبحت واضحة بعد اكتمال أنوثتي إذ شعرت انتهاكا صريحاً لهذه الأنوثة جسدياً ونفسياً وتضاعفت عندي الأعراض الجانبية للدورة الشهرية للمرأة .

القرن / هل كان لهذه التجربة آثار ضارة على حياتك كزوجة و أم ؟

فاطمة حسن / بطبيعة الحال فإن الفتيات اللواتي تعرضن لممارسة هذه العادة يدفعن ثمنها عند كل مرحلة من مراحل عمرهن ففي مرحلة الزواج وهي أهم مرحلة في حياة المرأة قد يشوب صفاء أجوائها عند تلك الفتيات بعض المخاوف من العلاقات الزوجية المشروعة وقد تجدد هذه العلاقات بعض المعاناة النفسية والجسدية التي تترتب على هذه الظاهرة ، ويدفع الرجال أيضاً قسطاً من ثمنها ، وقد تكون عقبة أمام الإنجاب الصحي وتضاعف مخاطر هذا الإنجاب لأنها استهدفت الأعضاء التناسلية للمرأة .

القرن / ما هي العوامل التي تساهم في استمرار ظاهرة ختان الإناث وما دور كل من قطاعات وأفراد المجتمع في التصدي لهذه العادة وما هي الإجراءات الحاسمة من أجل إنهاء تلك الممارسة ؟

فاطمة حسن / هناك عديد من العوامل التي ساهمت في استمرار ظاهرة ختان الإناث وعم القضاء عليها منها عدم توحيد صفوف قطاعات وشرائح المجتمع لمكافحة هذه الظاهرة واتخاذ وجهة نظر واحدة إزاءها واستراتيجيات مشتركة ، ففي السابق كانت تلك العادة تنجح في تفريق الشمل وإيجاد منافذ وهمية في الدين والتقاليد والأعراف والحشمة تأخذ منها شرعية الاستمرار ، وحتى داخل الأسرة الواحدة كان يدور حولها خلاف ، والآن بعد أن سقطت عنها كل الأقنعة يجب حشد كل طاقات المجتمع لمحاربتها ، ولا شك أنها كانت تتحالف مع انعدام الوعي والجهل والفقر وإن الصمت كان يطيل عمرها حيث كانت تدفع الفتيات إلى المعاناة في صمت ، ولكسر هذا الصمت والكشف عن أضرارها جاء هذا الحوار مع جريدة القرن ، وإن قضية سن تشريعات تجرم ممارسة تلك العادة من قبل الحكومة واتخاذ خطوات مهمة في هذا الاتجاه يعتبر من الإجراءات الحاسمة من أجل إنهاءها .

القرن / هل هناك جهات معينة تحني عليها باللوائم وتتحمل جانبا من المسؤولية في تعرض فتيات كثيرات لهذه العادة وما هي حظوظ نجاة من تواجه خطر التعرض لها سنوياً ؟ وما هي رسالتك للأسر والمجتمع للتخلي عن ممارسة هذه العادة نهائياً في بلادنا ؟

فاطمة حسن / لا توجد جهة محددة تتحمل وزر هذه العادة فإذا كانت الأم تحرص على ختان بنتها اعتقادا منها أنها عادة سليمة فلماذا يغيب دور الأب في منع ممارسة هذه الظاهرة تجاه بناته ويغض الظرف عنها كشيء لا يدخل في اختصاصاته ، وأين كافة قطاعات المجتمع في توعية المجتمع ضد هذه الظاهرة واتخاذ إجراءات حاسمة لمحاربتها ولهذا جرت احتفالات اليوم العالمي لمكافحة ختان الإناث في جمهورية جيبوتي و في هذا العام تحت شعار " دور الرجال في القضاء على ختان الإناث " فإن غياب الوعي والجهل والصمت يتحمل وزر هذه العادة بشكل عام ، أما فيما يتعلق بالفتيات اللواتي تواجه خطر التعرض لها ، فإن فرص نجاتهن منها كثيرة مع انتشار الوعي في المجتمع تجاه هذه الممارسة ولكي نتخلى عنها نهائياً لا بد أن يقوم كل فرد بدوره لإنهائها .

عبد السلام علي آدم