جيبوتي واليمن علاقات تاريخية وعميقة تتسم بالتعاون الوثيق بين البلدين فى جميع المجالات،انها اواصر وصلات اخوية تاريخية حضارية لها في الحاضر والمستقبل استمرارية وبعداً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً تعززه شراكة يؤسس لها اليوم بصورة راسخة لتكون علاقة تعكس حقيقة الراوبط الاخوية في مضامينها الحضارية والتاريخية الراهنة والمستقبلية والسفير اليمني الأستاذ /محمد عبد الله حجر كان مستوعبا ومنطلقا من كل هذه المعطيات التي عمل علي بلورتها برؤية عملية خلال أربع سنوات حافلة بالجهود والانجازات مسهماً بذلك في انتقال العلاقات الاخوية الجيبوتية اليمنية-الى مستويات نوعية تلبي متطلبات واستحقاقات المتغيرات والتحولات التي يعيشها البلدان عندما التقيناه كان يحزم حقائبه ويستعد لمغادرة البلاد بعد انتهاء فترة عمله في جيبوتي وكان يعجزه الوصف وهو يحاول الاعراب عن سعادته بفترته التي قضاها بين أهله وإخوته في جيبوتي حين سألناه عن انطباعاته في لحظة الوداع .كما تناول هذا اللقاء - الذي رفض سعادته أن نسميه وداعيا مجمل القضايا والموضوعات التي تهم العلاقات الجيبوتية اليمنية في مساراتها وآفاق تطورها وفيما يلي نص هذا الحوار:
القرن/بعد أربع سنوات من الجهود التي بذلتموها سعادة السفير للنهوض والارتقاء بعلاقات البلدين الشقيقين اليمن السعيد وجمهورية جيبوتي وما تحقق خلال هذه المسيرة من انجازات لامست تطلعات الشعبين في التكامل وما بنيتموه من علاقات إنسانية كيف تصفون لنا انطباعاتكم وانتم تودعون جيبوتي؟
السفير/أعتبر أن فترة العمل التي أمضيتها بحمد الله وتوفيقه من أفضل مراحل حياتي المهنية نظراً للمسئولية الموكلة لشخصي بحكم الوظيفة في توطيد وتطوير أواصر الإخاء والتعاون بين بلدينا الشقيقين . هذه المسئولية التي هي أصلا واجبة الأداء فإنها في نفس الوقت أمانة كبيرة وان أدائها بصورة كاملة تحدي كبير لا يزال يحتاج لجهد متواصل وعمل بلا كلل ومتابعة متواصلة دون توقف أو يأس لتحقيق هدف ديمومة وتوطيد وتطوير أواصر الإخاء والتعاون المختلفة. الأمر الذي رسخ في عقلي بصورة قوية هذا الانطباع الذي مصدره قيادة ومسئولي ومواطني هذا البلد وهو إصراره على التقدم والتطور وحبه لإحراز النجاح تلو الأخر بتأني ووعي وبجهود متضافرة.
وجدت خلال فترة عملي أن قيادة ومختلف مسئولي وأبناء هذا البلد لديهم مخزون كبير من الأخلاق والمعرفة ما يؤهلهم للتعامل مع الأخر بايجابية عالية المهارة والذكاء وهذا انطباع ثاني.
انطباع ثالث أن هذا البلد وما يزخر به من أماكن بحرية سياحية وجبلية وصحراوية هي بحق كنز لا يدركه الكثيرين ممن يستضيفهم هذا البلد وربما ينطبق هذا الأمر على بعض أبنائه وبحاجة لجهد بسيط يتمثل في توفر جزءً من الأقدام والاستعداد لكسب معرفة أكبر بزيارة هذه المواقع من جزر بحرية وشواطئ جميلة وغيرها. وان دور الإعلام والجهد المختص عن السياحة ضروري في إظهار هذه المواقع بصورة اكبر لخلق سياحة داخلية متعددة الفوائد.
هذا البلد يزخر بهامات عملاقة لديها الحكمة والخبرة والتجربة الناضجة التي تراكمت كنتيجة لجهودهم لما يزيد علي خمس أو ستة عقود ولدي انطباع أن الجيل التالي لهم الذي يسهم في صنع مراحل العطاء سيستفيد من سلوكهم في الحياة المهنية والشخصية ويستفيد من رؤيتهم الواضحة والخيرة لجميع أبناء هذا الشعب الشقيق وسيعمل هذا الجيل على الجمع بين حكمتهم وطموحة والتوفيق بين الروية والتحليل وبين القدرات العقلية والتقنية بما يخدم هذا الوطن أنساناً وأرضا وليستمر الاستقرار والأمان والتطور.
أما عن جانب الوداع . فليس لهذه الكلمة وجود حقيقي هنا. هذه الكلمة تنصب على حالة الغياب الطويل فقط. والحمد الله هذا الشعب وهذه الأرض حاضرين بما يدور فيهما من حيوية وتوجه نحو مستقبل أفضل وما والفترة الزمنية التي عشناها على تراب هذا الوطن هي جزءً من حياتي وحياة أسرتي أيضا وان كنت مجبراً بحكم قواعد وإجراءات الوظيفة للابتعاد عنه قليلاً وللترتيب لوضع أفضل إنشاء الله فان ذلك لا يعني ولن يكون وداع . تربطني هنا علاقة إخاء بالعديد من أبناء جيبوتي الذين اعتز بديمومة هذا تآخي وفي نفس الوقت لا تنسي بأنني عائد الى الوطن الأم الذي يعتبر جيبوتي وأبنائه جزءً منه كما يعتبر هذا البلد وأبنائه اليمن جزءً منه وحان الوقت للوفاء بحق الإخاء والمعزة لإخوة وأحبه وأبناء في اليمن السعيد.
القرن/ كانت لديكم أولويات للنهوض بشكل اكبر بعلاقات البلدين فهل من برنامج عملتم على انجازه ولم يمهلكم الوقت وما الأولويات التي ترون أن ينطلق منها زميلكم الذي يخلفكم بناءًا على ما تم انجازه؟
السفير/لهدف الأول والأسمى لأي برنامج عمل وما يحويه من أولويات هو الوطن أرضا وإنسانا. وخلال مهمتي في هذا البلد العزيز وبالرغم من الجهد المتواضع حسب الاستطاعة الذي بذلته وتحقق فيه جزءً بسيط من النجاح أن حدث فليس ذلك بمفردي وإنما بمساعدة وعون مسئولين خيرين هنا وفي اليمن . ولكن كنت أتمنى أن انجح في إخراج بعض من أبناء هذا الشعب الذين عايشتهم في الخروج من بوتقة التعلق بالماضي وحالة الاستسلام التي يعيشونها بهدف دفعهم للمشاركة في مختلف مجالات التطوير والأعمار في هذا البلد وهو ما اعتبر أنني لم أحقق فيه النجاح المطلوب ولكن آمل أن أكون قد حركت حالة السكون لديهم وبمساعدة نماذج مشرفة منهم رجالاً ونساءً . أما بالنسبة للأولويات التي سينطلق منها زميلي الذي سيخلفني فسيكون في إطار السياسة الخارجية اليمنية المرسومة مع إعطائه حق المشاركة في تحديد الأولويات المرتبطة بعدة عوامل وبكل تأكيد سيكون مجال الدفع بالعنصر البشري الذي هو أصلا عماد التنمية وهدفها أحد هذه الأولويات وعن طريق الاختلاط به ودراسة متطلباته ويذل الجهد لتحقيق ذلك في مجال التعليم والتدريب والصحة . الاهتمام بالجوانب المؤدية لخلق شراكة متواصلة ومتنامية بين البلدين في التجارة وبالذات المنتجات الزراعية بشتى أنواعها ، وبالثروة السمكية ، النقل البحري ، السياحة ، الاستثمار والاستفادة من تجربة البلدين في مجال تأسيس وإدارة الدولة والنظم والتشريعات على طريق بناء دولة المؤسسات كهدف يجب الوصول إليه كواقع معاش وبكل ما تعنيه الكلمة في جميع مجالات حياة المجتمع.
القرن/ما مصير جمعية الإخاء الجيبوتية اليمنية التي طرحتم أمرها على فخامة الرئيس السيد/إسماعيل عمر جيله مع السيد/ وزير المغتربين اليمني السابق؟
السفير/ جمعية الإخاء الجيبوتية اليمنية. والتي رحب بها فخامة رئيس / إسماعيل عملي جيله وجميع مسئولي هذا البلد للأسف لم انجح في بلورة ذلك المشروع وبالرغم مما بذل من جهد فأن سبب ذلك يعود لما سبق أن أشرت إليه. وهو حالة الارتهان للماضي والاستسلام والمحدودية وغياب الطموح للتجديد في الحياة لدى البعض مما افقد أو غيب عنصراً هاماً لإشهارها ولكن البداية تحققت والمياه الراكدة بدأت في الجريان. توفرت لدينا بعض التصورات وأصبح لدينا قائمة تشمل عدد من ابرز الشخصيات الذين سيكونون نواة الخير والأعضاء المؤسسين مستقبلاً. وطرح السؤال منك حولها يؤكد وجود اهتمام بضرورة تواصل وتضافر الجهود من قبل من يؤمنون بأهميتها بان لا مستحيل وان المسألة بحاجة لفترة نضج لدى هؤلاء البعض وهو ما لا بد منه إنشاء الله مستقبلاً.
القرن/تقييمكم للتقدم الذي تم تحقيقه لصالح علاقات البلدين المتميزة بالتمازج الاجتماعي والتاريخي بين شعبيها؟
السفير/من الصعب الوصول الى تقييم حقيقي للتقدم الذي تم تحقيقه لصالح العلاقة بين البلدين بسبب عدة عوامل أهمها هو عدم توفر الإحصائيات الكاملة والشاملة لمختلف القطاعات الإنتاجية صناعية أو زراعية أو حر فيه وخدمية ومحددة الأعوام بحيث تتسنى المقارنة إضافة الى أن هنالك كما تعلمون ظروف وتغيرات تلعب دورًا مؤثراً في هذا الجانب ولكن إجمالا على المستويات العليا هنالك علاقة وطيدة ومميزة مبنية على التفاهم والإخاء يعكس ذلك نقسه على التنسيق والتعاون في مجال السياسة الخارجية للبلدين على المستوى الإقليمي أو الدولي. أما جانب العلاقات الثنائية بين البلدين فهي في تطور مستمر وتشمل من وقت لأخر مجالات تعاون إضافية. يكفي الإشارة الى بعض جوانب التطور من حيث الاستثمار وتزايده وتوافد عدداً من أصحاب بيوت المال ورجال الأعمال بما في ذلك الخدمات البنكية وما تسهم به من استثمارات مباشرة أو دعم قطاعات التجارة والإسكان. المؤشر الأخر هو تزايد عد الطلاب الجيبوتيين في الجامعات اليمنية ودخول طيران السعيدة إضافة للخطوط اليمنية التي وصلت عدد الرحلات لهما معاً الى عام 2010م بمعدل رحلة يومياً وخلال أواخر يوليو ويونيو بالذات ونهاية أغسطس وبدآ سبتمبر ثم إضافة رحلات إضافية. وان الإحصائيات المحدودة المتوفرة حول التبادل التجاري بين البلدين خلال العقد الأول من هذا القرن في حالة تزايد مستمر وان كان مقدار الزيادة يختلف من عام لأخر.
القرن/ تزامن عودتكم الى ارض الوطن سعادة السفير مع التغيير والتحولات التي تشهدها اليمن فكيف تنظرون الى المستقبل في ظل هذه المعطيات؟
السفير/كما أشرتم شهدت اليمن تحولات وتغيرات سياسية اجتماعية وثقافية واقتصادية كبيرة خلال النصف الثاني من العام المنصرم وما تلاه . ولكن التوصل الى التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وما تم قطعه من انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني والانتصارات الحاسمة على تنظيم القاعدة ومن يطلقون على أنفسهم أنصار الشريعة والدخول في خطوات مشجعة على طريق الحوار الوطني الشامل لمختلف أبناء اليمن كل ذلك يؤكد أن اليمن في طريقها لبناء دولة المؤسسات ومواصلة دورها الإنساني والحضاري . وجود شخصيات وطنية على قدر كبير من حب الوطن والحكمة والخبرة السياسية على رأسها قيادة تحظى بإجماع شعبي عام وبوجود شباب واع يفكر قبل الأقدام على الفعل ويحسب نتائجه يؤمن بالحوار كوسيلة حضارية للتفاهم والبناء وقبول الرأي والرأي الأخر تحت سقف الديمقراطية التي تؤمن بالوطن وأبنائه أولا ولا ترتهن لمصالح شخصية أو ارتباطات خارجية كل ذلك يدعو للتفاؤل ويبشر بمستقبل أفضل يدعم ذلك أشقاء وأصدقاء معززً بإجماع دولي على ضرورة تحقيق السلام والاستقرار امنياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً . كل ذلك مدعوماً أولا وقبل كل شيء برعاية ربانية يؤكدها لجوء واعتماد اليمنيين الى الاعتصام بحبل الله دوماً وابتهالاتهم للمولى عز وجل أن يوحد كلمتهم ويؤلف قلوبهم ويكلل جهود قيادتهم بالسداد والتوفيق إنشاء الله .
القرن/وتحت نصل معكم سعادة السفير الى مرافي الختام هذا الحوار ماذا تحبون أن تقولوا لجيبوتي وعن مسيرتكم المهنية فيها؟
السفير/أحب أن أقول لجيبوتي الشقيقة شعباً وأرضا . كل منا جزءً من الأخر وان روابط الدم والقربى والجوار والمصالح المستقبلية تؤكد أننا بحاجة لاستمرار وتوطيد هذا الإخاء والتعاون وبصورة اكبر مستقبلاً لما فيه مصلحة الكل إنسانا وأرضا . لست أنا من يقوله بل التاريخ والجغرافيا والمصالح الإستراتيجية طويلة المدى بين البلدين هو من ينطق بذلك بكل وضوح وهو ما كان لا يغيب عن عقلي أثناء أداء مهام الوظيفة التي افتخر بها في هذا البلد الأمن الساعي للمستقبل بجد ومصابرة وطموح لان يكون البوابة الشرقية للقارة الإفريقية لا يقل أهمية عن دول أصبح لها موقعاً في الصناعة والتجارة . وهذا البلد حباه الله كإضافة لما سبق أن وصفت أبنائه وقيادته بالموقع الجغرافي المتميز وما يحويه من خيرات ظاهرة وباطنه .
في الختام أحب أن أقول لكل العاملين في صحيفتكم الغراء لكم الشكر والتقدير على الجهد الكريم والسخي في الإسهام والتواصل دوماً مع الناطقين بلغة الضاد . لغة القرآن ولغة النبي العربي المرسل لكل الجنس البشري الذي تجمعه رابطة الإنسانية التي تتبلور بصورة ناصعة ومشرقة في جمهورية جيبوتي الشقيقة.
أجري الحوار /
جمال أحمد ديني