مواكبة للتحول التاريخي الذي تشهده ليبيا وللوقوف علي التحديات التي تواجهها حكومتها الانتقالية وسبل التغلب عليها وأولوياتها في هذه المرحلة سواءا علي مستوي الساحة المحلية أو علي مستوي علاقاتها الاقليمية والدولية التقت القرن القائم بأعمال السفارة الليبية الدكتور/ الهادي الوحيشي وأجرت معه هذا الحوار:-
القرن /بعد سنوات من الجهود التي بذلتموها للنهوض والارتقاء بعلاقات البلدين خلال مسيرة شهدت فيه ليبيا تحولا كبيراً فكيف تصفون لنا انطباعاتكم وماذا تقولون عن جيبوتي ومسيرتكم المهنية فيها ؟
القائم بأعمال السفارة/أحب أنتهز هذه السانحة لأتقدم بأحر التهاني وأسمي آيات التبريكات لفخامة الرئيس السيد /إسماعيل عمر جيليه وحكومته والشعب الجيبوتي الكريم والأمة الاسلامية قاطبة بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل ثم اسمحوا لي في البداية أن أشكر صحيفتكم الموقرة صحيفة القرن لإتاحاتها هذه الفرصة ، وغيرها من الفرص السابقة ، لأشيد من خلاكم بالمستوي الذي وصلت إليه هذه الصحيفة على مستوي الريادة في منطقة القرن الإفريقي ، واهتمامها المتزايد بالدور الدبلوماسي العربي على وجه الخصوص وانفتاحها على العالم العربي عبر لمبادرات الرائدة لسياسة فخامة رئيس الجمهوري السيد / إسماعيل عمر جيله وحرصه على الارتقاء بعلاقات جيبوتي بأشقائها العرب
ثانياً / أود ان أشير إلي أنني خلال أكثر من عامين ونصف من وجودي في هذا البلد الطيب وهي الفترة التي مثلت فيها بلادي ولم أشعر خلالها بالغربة واشهد أنني لا قيت كل تعاون ومؤازرة من طرف المسؤولين الجيبوتيين وعلى كل المستويات ، وقد شهدت بكل فخر وإعجاب ما تحقق في جيبوتي من تطور وإزدها في شتى مناحي الحياة وعلى مستوي قطاعات التوظيف ومكافحة البطالة ، وفي المجالات الاقتصادية والتنموية ، وجلب الاستثمارات الخارجية ، وفي مجال الارتقاء بمستوي تعليم اللغة العربية إضافة إلي دور جيبوتي الرائد في تحقيق المصالحة في الصومال ، وفي رأي أن جيبوتي بعد مرور 35 سنة على استقلالها مقبلة بقوة على تحقيق مزيد من التقدم والنحو والإزدها بفصل جهود ساستها المخلصين وحكمتهم والرؤية الثاقبة لفخامة الرئيس / إسماعيل عمر جيله كما أود التأكيد علي أن العلاقات الليبية الجيبوتية في وضع جيد وتسير في الاتجاه الصحيح خاصة بعد ثوره 7 فبراير المجيدة وما تحتاجه في الوقت الحالي العمل من الجانبين على تفعيل اللجنة الجيبوتية الليبية المشتركة التي انقطعت عن الاجتماع منذ عام 1981 حيث كان أخر اجتماع لها في مدينة طرابلس وبسبب الظروف التي صاحبت المرحلة الانتقالية التي مرت بها بلدي على مدى أكثر من سنة ونصف حث الآن والتي بسطت أثارها على علاقات ليبيا الخارجية بشكل عام وخاصة مع أشقائها الدول العربية ، ونأمل في المرحلة القربية القادمة وبعد الانتخابات البرلمانية الشفافة واقبال الليبيين على الديمقراطية والحرية وبناء دولة القانون والمؤسسات ، فأني جد مطمئن لمستقبل سير العلاقات الليبية مع الأشقاء العرب وخاصة مع جيبوتي ، وذلك بهد ترتيب البيت الداخلي وتشكيل الحكومة الانتقالية واستحقاقات لمرحلة القادمة . وفيما يتعلق بمسيرتي المهنية في جيبوتي اعتقد إنني قمت بانجاز مهمتي الدبلوماسية على أكمل وجه من خلال التعااطي مع بعض القضايا والملفات التي تهم العلاقات بين البلدين والشقيقين جيبوتي ولاقيت خلال فترة عملي كل التحيب والمؤزرة من جميع المسئولين .
وأحب ان انتهز هذه السانحة لاهنيئ معالي السيد/ محمود علي يوسف وزير الخارجية التعاون الدولي وأشكره علي ما لاقيته منه من تعاون وتجاوب ورجابه صدر كما أهني من خلالكم السيد/ محمد دعاله و العاملين معه في إدارة الشؤون العربية وكذلك مر اسم الدولة على ما قدموه من دعم ومساندة وتذليل الصعاب التي ساهمت بشكل ايجابي في القيام بما ينبغي للارتقاء بعلاقات البلدين الشقيقين والشكر موصول لكل المسئولين الذين تعاملت معهم وتعانوا معي على امتداد أكثر من سنتين والنصف من وكل الشكر والامتنان للشعب الجيبوتي الذي أتمنى له من كل قلبي مزيداً من التقدم والإزدها ر وسأظل أحمل في نفسي الذكريات الطيبة والجميلة عن هذا المجتمع الطيب.
القرن / كيف تابعتم النجاح الكبير الذي حققته ليبيا في أول تجربة ديمقراطية لها ؟ وما هي الدلالات التي حملها فوز قائمة محمود جبريل في انتخابات المؤتمر الوطني ؟
القائم بأعمال السفارة/ إن نجاح العملية الانتخابية في ليبيا وبامتياز والسلوك الانتخابي الحضاري .. جعل ليبيا في أوج القوة والنجاح وسيعكس هذا التطور الإيجابي على تعامل المجتمع الدولي مع ليبيا .. وثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية .. وذلك على الرغم من المخاوف القائمة حالياً من انتشار مظاهر التسلح وعدم الانضباط الأمني بسبب غياب الأجهزة الأمنية وانتشار الكتائب المسلحة في أرجاء ليبيا ، وعلى الرغم من ذلك كانت تقارير المراقبين حول الانتخابات الليبية ايجابية في مجملها ، ولم يتحدثوا عن إيه اختراقات أو تجاوزات ملموسة وقدراهنت علي وعي الشعب الليبي منذ البلداية وعلى رغبته الجامحة في بناء دولة ديمقراطية ، وإصراره على الانتظام في حياة سياسية واجتماعية عبر ممارسته للتجربة الديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع أول مرة في تاريخه لأن جميع الليبيين يريدون الوصول الي دولة ديمقراطية مستقره بعد تحرير ارادتهم وتحرير وطنهم من الظلم والاستبداد الذي دام عقود طويلة وعلى صعيد النخب السياسية هناك وعي ملموس ، حيث أن القبول بنتائج الانتخابات تعتبر من أهم سمات المشهد السياسي بالرغم من عدم وجود تجارب سياسية سابقة .. ويغمرني التفاؤل بأن الليبيين سيتجاوزون هذه المرحلة بنجاح .
وأن حالة قبول النتائج تنم عن حالة من الديمقراطية الحقيقية المقبل عليها الشعب الليبي ، ويدل على ذلك ما حدث في المشهد السياسي الليبيي من رضا وقبول أساسه أن هذا الشعب متعطش للديمقراطية والحرية السياسية في اسمي معانيها ونحن الآن بصدد ارساء قواعد الديمقراطية ، وسيقوم أعضاء المؤتمر الوطني القادم بلعب ادوار مهمة والقيام بأداء مهامهم على أكمل وجه .. كان الرهان قائم على فوز الإسلاميون بأغلبية ساحقة أسوة بماحصل مع الجارتين تونس ومصر وما هو سائد الآن في شمال أفريقيا واكتساح التيار الإسلامي المتمثل في إخوان المسلمين أو النهضة أو غيرها ولكن الليبيون خالفوا كل التوقعات وانتخبوا أحزب تحالف القوي الوطنية متجاوزين في هذا القبيلة والتيارات بإصرارهم علي اختيار الأفضل والأكثر فاعليه وقدره على تحقيق التطلعات و تجري حاليا حوارات ساخنة وجدل في الوسط السياسي الليبي حول المستقلين الذين يمثلون النسبة الأهم من المقاعد في المؤتمر الوطني القادم مكونين 120 مقعدا من اصل (200) وهل بمقدورهم المحافظة على استقلاليتهم والمساهمة في حفظ التوازن بين الكيانات السياسية المختلفة وان تكون نظرتهم إلي المصلحة العليا للوطن وتحديد رؤية إستراتيجية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ليبيا من المعلوم ان الكيانات الحزبية في ليبيا تأسست بشكل سريع وفي فترة زمنية غير كافية ، وبدون مرجعية سابقة وفي غياب تعددية حقيقية ، ويرجع ذلك إلي تحريم النظام السابق والمكية قبله للأحزاب والمتحزبين أي انه لا كثر من نصف قرن من الزمان لم يمارس الليبيون حقهم في الحرية والديمقراطية ولم يتمكنوا من ممارسة الاستحقاق الانتخاب . ويعتبر المؤتمر الوطني المنبثق عن الانتخابات عبارة عن مجلس نواب مؤقت هدفه تشكيل حكومة وانتخاب لجنة من بين أعضاءه أو هينة تأسيسية لأعضاء لجنة صياغة الدستور ومن خلال مواكبه احداث النتائج الانتخابية في مشهد رائع يعكس الآمال في مستقبل رائع لليبيا أتوجه بالتهنئة إلي أعضاء المجلس الانتقالي وإلي الحكومة الانتقالية ، وللسيد رئيس المفوضية العليا للانتخابات والعاملين معه على هذا النجاح الباهر والذي يدل على انسجام الليبيين وتوحيد تفكيرهم تجاه ما حققته هذه الانتخابات كما أدعوا إلي المحافظة على الكوادر السياسية التي عايشت الثوره منذ بدايتها والاستفادة من خبراتهم ومراعاة طبيعة المرحلة الانتقالية القادمة و كفيية التعامل مع الملفات المطروحة، ووضع الخطط ولاستراتجيات اللازمة للمضي قدما .
القرن / ما أهم التحديات التي تواجه اكتمال صورة المشهد الديمقراطي لليبية الجديدة ؟
القائم بأعمال السفارة/ من أهم التحديات الراهنة بالنسبة لليبيا يحب تفعيل قواعد العدالة الانتقالية والمشاورات الوطنية والحوار الديمقراطي بمعني إشراك الناس والالتقاء بهم من خلال الندوات والمؤتمرات على أن مفهوم الدولة الدستورية عندما يتغلغل في عقول الناس قانهم سيدافعون عن هذه الدولة ضد من يحاول انتهاك الدستور فيها ، أي أن هناك فرق بين الدولة الدستورية ، ودوله لديها دستور وبعيدا عن التوصيفات المختلفة والتشكيك في الانتخابات والاتهامات المتبادلة ادعوا الليبيين إلي الوقوف صفا واحدا والالتفات إلي المصلحة العليا للوطن أي لا صوت يعلو فوق مصلحة الوطن لا غالب ولا مغلوب بل لديهم مهمة محددة تتمثل في انجاج هذه التجربة الوليدة بعيدا عن الأستقطابات والدعاية الانتخابية التي سوف يكون لها مواقع أخري غير المؤتمر الوطني والعمل سويا لوضع دستور يحدد الرؤى المستقبلية لليبيا .
القرن/ لديكم سعادة السفير إلى جانب عملكم الدبلوماسي إنتاجا فكريا كان آخره كتابكم _ (مكانة الموظف الدولي ودوره في حل المنازعات الدولية )الذي قال عنه أمين عام الجامعة العربية السابق السيد عمر موسى إنه يمثل إضافة هامة للمكتبة العربية وجديراً بالقراءة والاستفادة مما جاء فيه . فما هي الرؤية التي يقدمها هذا الكتاب فيما يتعلق بالموظف الدولي وإطار عمله والنماذج التي يستعرضها؟
القائم بالأعمال /تنهض الفكرة الرئيسية للكتاب الذي بين أيدينا على أن الموظف الدولي، على خلاف نظيره المحلي، يؤدي عمله في بيئة معقدة للغاية تعج بالمفارقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وتتكاثر فيها المنازعات بصورة لافته للنظر، ومع ذلك فإن بإمكانه إن أتيحت له الفرصة وتوفرت له الوسائل المناسبة وحرية الحركة أن يلعب دوراً فعالاً في تسوية هذه المنازعات ، أو على أقل تقدير تهدئتها كخطوة على طريق تسويتها بصورة سلمية .
وقد اقتضت مناقشة هذه الفكرة في سياقها الموضوعي الأوسع الإجابة عن عدد من التساؤلات .
ومن خلال استقراء مضامين التساؤلات يبدو جلياً أن الهدف الرئيسي للكتاب يتمثل ليس في تكشف مساحات التعقيد الكائنة في بيئة عمل الموظف الدولي أو خصوصية مركزة القانوني فحسب ، وإنما أيضاً، وهو الأهم، تشخيص القيود التي تغل يد الموظف الدولي عن التصرف بديناميكية واقتدار حيال الأزمات والمنازعات الدولية من ناحية ، ومن ناحية أخرى ارتسام الوسائل الكفيلة بتكسير هذه القيود وبالكيف الذي يتيح لهذا الموظف أن يلعب دوراً فعالاً في حل الأزمات والمنازعات الدولية سلمياً، وبما يقود في النهاية إلى إشاعة الاستقرار والسلام بين الوحدات المشكلة للنسق الدولي .والآن فأنني بصدد تحديث وتطوير هذا الكتاب الذي صدر في طبعته الأولى بتاريخ 2006 ، والذي أصدرته ونشرته لمنظمة العربية للتنمية الأدارية بين الخيرة في جامعة الدول العربية ، وقد قدم له في ذلك الوقت الأستاد / عمر موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية تحت عنوان "مكانه الموظف الدولي ودوره في حل المنازعات الدولية " وهو نتاج أطروحة الدكتوراه في القانون الدولي العام التي منحتني إياها جامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية في عام 2003 ـ وقد تضمنت هذا التحديث الذي تم إجراءاه أثناء فترة عملي بجيبوتي ، إضافة مبحثين إلى الفصل الثاني من الكتاب يتعلق أحدهما بالنزاع الجيبوتي – الإريتري حول رأس دوميرا وجزيرة دوميرا ، والأخر متعلق بقضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البلوزاريو الجمهورية الصحراوية .
كما تضمن التحديث إضافة فصل ثالث للكتاب تحت عنوان المواقف الدولية والإقليمية من ثورات الربيع العربي ، حاولت أن أتلمس. من خلالها الأدوار التي يمكن للموظف الدولي القيام بها وتأثير هذه الموقف الدولية والإقليمية على مجريات الأحداث في الوطن العربي وتطبيق مبد أ استخدام الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية ، على أساس الوسائل السياسية والدبلوماسية من خلال أداء الموظف الدولي في النزاع العرقيي الكو.يتي والتسوية القضائية ، من خلال التحكيم وعرض النزاع على محكمة العدل الدولي في قضية جزحنيش بين إرتيريا واليمن وكذلك أسلوب الوساطة وهو ما تقوم به قطر حاليا من محاولة لإنهاء النزاع الجيبوتي الإريتري بموافقة من الدولتين المتنازعتين .وسيتم بأذن الله إصدار الطبعة الجديدة الثانية قبل نهاية عام 2012 عن طريق مكتبه مدبولي بجمهورية مصر العربية اليتي ستتولى بل تولت فعالاً اصدار الكتاب بعد إجراء التعديلات السالف ذكرها من علما بأن هذا الكتاب يدرس بالجامعات الليبية وبمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع الوزارة الخارجية والتعاون الدولي في ليبيا وسيكون في 450 صفحة تحتوى على فصل تمهيدي في التطور التاريخي لنظام الموظف الدولي وسماته الإساسية وفصلين آخرين الأول التنظيم القانوني للموظفين الدوليين والثاني لمسئولية القانونية للموظف الدولي ، والباب الثاني تحت عنوان دور الموظف الدولي في حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية يتضمن ثلاثة فصول الفصل الأول : لجوء الموظف الدولي الي الاستخدام الوسائل السلمية في حل المنازعات الدولية.
الفصل الثاني : بعض نماذج المنازعات الدولية التي لعب الموظف الدولي دوراً في حلها . ويتعلق الفصل الثالث الذي تمت اضافته بالثوارات العربية تحت عنوان المواقف الدولية والإقليمية من ثورات الربيع في كل من تونس ومصر وليبيا بشكل أساسي مع استعراض المواقف الدولية من الثورة في اليمن والبحرين وسوريا والأدوار التي لعبها الموظف الدولي من خلال المنظمات الدولية والإقليمية ومدى تأثيرها على مستقبل دول الربيع العربي.

اجرى الحوار /
جمال أحمد ديني