مع دخول موسم الشتاء تظهر أمراض وتختفي أخري ، و أكثر ضحايا هذه الأمراض في بلادنا هم الأطفال ، على الرغم من الميزانية الكبيرة التي تنفقها الحكومة الجيبوتية على الصحة بشكل عام وعلى صحة الأطفال على وجه الخصوص .
وللإسهام في حماية هذه الشريحة التي تعتبر ثروة ورهان المستقبل من الوقوع ضحية للأمراض من خلال رفع وعي الأم والأب بالدرجة الأولى ثم المجتمع قامت القرن بإثارة تساؤلات عدة حول ماهية أنواع الأمراض الشتوية التي تصيب الأطفال ؟ وما هي أسباب الإصابة بها عند بعض الأطفال دون الآخرين ؟! ولماذا يفقد بعض الأطفال الشهية ؟ وكيف نقي أطفالنا من هذه الأمراض؟ وما هي العقبات الماثلة أمام جهود الحكومة في مجال صحة الطفولة ؟ للإجابة على هذه التساؤلات التقت جريدة القرن برئيس قسم الأطفال في مستشفي بيلتييه العام الدكتور/ أحمد روبله وأجرت معه هذا الحوار:-
القرن / حدثنا عن الأمراض التي تصيب الأطفال في الشتاء ؟
ج/ عادة الأمراض الشتوية تختلف من بلد لآخر، وهي تختلف حسب البيئة وما توفره للمكروبات والجراثيم من مقومات المساعدة على نشاطها ، إن درجة الحرارة التي تتراوح بين 25 و 35 درجة هي المثالية لتكاثر وانتشار المكروبات والفيروسات بشكل كبير ،وهدوء حرارة الصيف تعني ظهور بعض الأمراض ، لأن شدة الحرارة تمنع من ظهور هذه المكروبات المسببة للأمراض التي نعتبرها في جيبوتي أمراضا شتوية و تصيب أكثر الأطفال، ومن هذه الأمراض، الحمى، الزكام، القيء ، الإسهال أو القيء والإسهال معا ،وكل مرض له بكتيريا خاصة، أضف هذا مرض العيون الذي يصيب الأطفال بسبب كثرة الذباب. عند استحمام الطفل والطقس بارد خصوصا في الليل وفي الصباح الباكر، أو بعد لعب الطفل مباشرة والمروحة شغالة يتعرض الطفل للإصابة بالبرد، بشكل عام هذه الأمراض هي التي تصيب الطفل في الشتاء.
القرن/ لماذا هذه الأمراض تصيب بعض الأطفال دون الآخرين ؟
ج/ عادة يمرض الطفل الذي تكون مناعته ضعيفة أكثر من غيره، بالإضافة إلى ذلك إن سوء تغذية الأطفال تلعب دورا كبيرا في إصابة الطفل بالأمراض المختلفة بسهولة أكثر من غيره ، وإن الأم المصابة بفقر الدم تلد طفلا مصابا هو الأخر بفقر الدم، وبالتالي يكون عرضة لسوء التغذية .
القرن / يقول البعض إن الزكام ليس مرضا خطيرا، ومع ذلك نرى بعض الأطفال تسوء حالتهم عند إصابتهم به، لماذا؟
ج/ إن الزكام الذي يصيب الأطفال ليس مرضا خطيرا ، ولكن قد يتحول إلي مرض قد يودى بحياة الأطفال إن لم يتم معالجتهم بسرعة ، هناك فيروسات مسببة له في كل بلدان العالم ولكن في الدول الفقير التي تعاني أطفالها من سوء التغذية وفقر الدم يتطور الأمر مع المصابين به إلى نزلة برد . وعادة هذه الفيروسات قد تضعف مناعة الطفل نوعا ما ، وهو لا يزال يعاني من الزكام تصيبه البكتريا الناشطة في الدرجات الحرارة المذكورة أنفا فتضعفه أكثر، فتجد الطفل يصاب بالحمى والكحة ثم البرد وإذا لم يعالج بسرعة تتحول إلي مرض السل وقد تؤدي بحياة الطفل ، في فصل الشتاء تزداد أمراض العيون والمسبب الرئيسي هو الذباب .
يقدر نسبة مرض سوء التغذية لدى الأطفال في جيبوتي 20% وفقر الدم بشكل عام 70% ، وللأسف اتخذت الأمهات لعب أطفالهن وجريهم مؤشراً لصحتهم، وهذا غير صحيح. إن الأم لها دور كبير في صحة طفلها حيث أن الأم المصابة بفقر الدم ستلد جنينا ضعيفاً وهذا الضعف يجعل الطفل معرضاً لأمراض عديدة ، وفقر الدم بداية الإصابة بسوء التغذية ، وعدم الاهتمام الأم أو الأسرة بصحة الطفل تساهم بشكل كبير في وفيات الأطفال دون الخامسة ، إن تغير الهواء بين فترة وأخرى تحدث في بلدان العالم، ومع ذلك لا تكثر لديهم الأمراض لأنهم يتخذون التدابير الوقاية اللازمة.
القرن / ما هي الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض بين الأطفال؟
ج/ السبب الرئيسي لانتشار الأمراض بين أطفالنا وخصوصا دون سن الخامسة، هو سوء التغذية ،ولأن الوجبات التي يتناولونها غير متكاملة العناصر ،بالإضافة إلى ذلك عدم مراعاة نظافتهم، وعدم أخذهم إلي المستشفى في الوقت المناسب، وعدم إتمام التطعيمات للطفل ، كل هذه الأمور تساهم في انتشار المرض بين الأطفال.
والجدير بالذكر أن جيبوتي تعتبر أحد أفضل الدول من حيث جودة التطعيم ،ووفرته بالمجان، ومع بداية العام الجديد ستجعل الحكومة تطعيماً كان بـ أكثر من 36 ألف فرنك جيبوتي مجانا ، كما تعتبر بلادنا من الدول التي تنفق ميزانية كبيرة على الصحة ،ومع ذلك تعتبر من الدول التي تكثر فيها الأمراض وخاصة بين الأطفال ، من المهم أن نسأل أنفسنا هل الأب يهتم برعاية أطفاله صحياً ؟ هل يخصص ميزانية كافية لهذا المجال ؟ هل الأم متعلمة وواعية ؟ هل تتابع تطعيم أطفالها ؟ وماذا عن نظافتهم ؟ ما هو وضع اقتصاد الأسرة ؟ الأم عندها كم طفل ؟ هل الطفل الأول أخذ حقه من الرعاية قبل مجيئي الثاني ؟ كل هذه الأمور تساهم في صحة الطفل سلباً أو ايجابيا ، إن ارتفاع ميزانية الأسرة وغلاء المعيشة ، وعدم الاهتمام بالنظافة ـ جهل الأم وقلة وعيها ــ حرارة بيئتنا تؤثر سلباً على الطفل ، قد يجوع الطفل ومع ذلك لا يأكل ويكتفي بشرب المياه بسبب حرارة الجو ، وعندما تجتمع هذه العوامل التي ذكرتها على الطفل تؤدي إلي أن يصاب 20% من أطفالنا بسوء التغذية و 70% منهم بفقر الدم ، بالرغم من أن جيبوتي تعد من الدول الأكثر انفاقا على الصحة ، وتعتبر في ذات الوقت من الدول الأكثر إصابة بمرض سوء التغذية لدى الأطفال ، هناك تناقض.
القرن / هل هذا يعني أن دور المجتمع والأسرة مفقود؟
ج/ نعم، دور المجتمع والأسرة مفقود تماماً ، بينما في الدول الأخرى المجتمع المدني له دور كبير في تحقيق ما تصبو إليه الحكومة ،لأنهم يدركون أهمية مساهمتهم في تقدم مجتمعهم ، لهم دور كبير في رفع وعي المجتمع، لديهم أنشطة جادة حقيقة ، بينما مجتمعنا وجمعياتنا تنتظر كل شئ من الحكومة ، ليس لديهم روح المبادرة ، وهناك محدودية للبرامج الصحية في وسائل الإعلام ، بينما نجد في دول كفرنسا على سبيل المثال برامج تلفزيونية يقدمه الأطباء يومياً وفي كل حلقاته يتناولون موضوعاً يخص الصحة ، وكذلك هناك برامج صحية خاصة بالأطفال في السنغال على سبيل المثال ، لذلك أرى أنه من المهم جداً اهتمام الإعلام بالتوعية الصحية باستمرار، مرة حول النظافة والحفاظ على المياه والأكل وبالتالي تحتاج إلي جهود كبير، إن مهنة الطب ليست لعلاج الناس فقط ، وإنما أساسها هي وقايتهم من الإصابة بالأمراض.
القرن / ما هي التدابير اللازمة التي تتخذها الأم أو الأسرة كي لا يقع الطفل في براثن الأمراض ؟
ج/ من الضروري أن تهتم بالغذاء ،النظافة،التطعيم ، يسمى الأطباء الطفل الذي يتمتع بصحة جيدة بالكامل ، أما الذي تنقصه الفيتامينات والمعادن نسميه بالناقص يعني عنصر ما ينقص جسمه ، لذلك على الأم العناية بصحة أطفالها .
القرن / كيف يمكن للأم أن تنشئ أطفالاً بنيتهم الجسمية قوية ؟ أو طفلاً كاملاً كما يسميه الأطباء ؟
ج/ أولاً أنا أوكد انه مهما كان دخل الأسرة تستطيع الأم أن توفر لأطفالها العناصر الغذائية اللازمة لجسمهم . وأول خطوة أن تعطي الطفل الأول حقه في الرعاية قبل أن تفكر في إنجاب آخر، ويجب أن يفهم الأب دوره في رعاية أطفاله ، وأن ترضع الأم طفلها في الشهور 6 الأولى رضاعة طبيعية كاملة ودون إضافة أي حليب صناعي وهذا أقل ما تفعله من أجله ، وبعد 6 أشهر أن تبدأ له وجبات متكاملة ، ووجبة الطفل كما يعتقده الكثيرون ليست قليلا من البطاطس والجزر ، وأكرر دائما وأقول أن الطفل في الشهر الثامن يحتاج من السعرات الحرارية ضعف ما يحتاجه والداه ، إذا كان الشخص الذي في سن فوق الثلاثين يحتاج جسمه 100 جرام من اللحم إن الطفل الذي في الشهر الثامن بحاجة إلي 200جرام ، إذا كان الأب يأكل في اليوم قطعة لحم إن الطفل يحتاج إلي قطعة ونصف أو قطعتين حيث تطحن له الأم مع الخضروات وتطعمه .
عندما يتجاوز الطفل 6 أشهر لابد أن تتوفر في غذائه خمسة عناصر، وإلا سيزور المستشفى لا محالة، والخمسة عناصر، أولها اللحم وهو أهم من السمك لأن اللحم يساعد على نمو عظام الطفل ويزيد من دمه ، الثاني : العدس الأسود ، الثالث الحليب، رابعاً : البرتقال أو الليمون ، خامسا : البيض .
القرن / هل يحتاج الطفل لهذه العناصر كلها يوميا؟
ج/ لا، بل يحتاج يوميا إلي ثلاث منها على الأقل ليكون غداءه متكاملاً، اليوم الأول تؤكله اللحم، اليوم الثاني عدس ، واليوم الثالث بيض إلي جانب الخضروات والأرز وما شابه ، وأعني من ذلك أن تتوفر في طبقه كل الفيتامينات التي يحتاج إليها الطفل، والأمر الأخر يجب أن تتناول الأم أيضا غذاء متكامل لتستطيع أن ترضع طفلها المفيد من لبنها.
ــ النقطة الثانية العناية بنظافة الطفل عناية شديدة، وعناية نظافة الطفل لا تعني حمايته من الأوساخ فقط ، ليس كل مياه يستخدم ينفع الطفل ، وكما هو معروف إن أغلب البيوت تخزن المياه ، وبالتالي على الأم أن تضيف إلي تلك المياه قبل استخدامها قدراً يساوى غطاء زجاج من الكلور أو الجافيل إلي الماء وإذا كان برميلاً 5 أغطية من الكلوز بالإضافة إلي رعاية نظافة مغرف المياه وعدم وضعه على الأرض ثم غرف المياه به ،وهذا خطأ يجب مفاداته ، الاهتمام بنظافة يد الطفل إذا كان صغيراً وتربيته على النظافة إذا كان يردك ما تطلب منه أمه ، وعندما يمرض الطفل يجب أخذه إلي الطبيب بأسرع وقت ممكن .
ــ وقاية الطفل من البرد ومن المروحة بقدر الإمكان ، وعدم غسل جسم الطفل في أوقات البرد ، لكثرة الحساسية و الحشرات في جيبوتي، من الضروري الاهتمام بنظافة غرفة الأطفال وجدرانها وستائرها والمكان الذي ينامون فيه ، وكذلك الاهتمام نظافة واجهة البيت والأماكن التي يعلب فيها الطفل . وهناك جانب تقع مسؤوليته على المجتمع المدني وهي ضمان نظافة البيئة بشكل عام وعدم رمي المخلفات في الشوارع والزقازيق لكي لا يتضرر الأطفال ، لأن انتشار المخلفات من الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض بين الأطفال حيث يلعبون خارج البيت وفي بيئة غير صحية تماماً .
القرن / هناك أسرة لديها إمكانيات ،وتستطيع أن توفر لطفلها كل ما لذ وطاب ومع تناول فاتح الشهية وبالرغم من ذلك لا يأكل الطفل فماذا يمكن للأم أن تفعل ؟
ج/ هناك سببان لهذا الأمر أحدهما التربية الأولى، والأم هي السبب في ذلك حيث تعد الطبق ثم تؤكله في غرفة لوحده منذ شهوره الأولى،والصحيح أن تؤكل الطفل مع الأسرة ليرى الطفل كيف يأكله الناس ويتعود على ذلك، ومن ناحية أخري يجد حماسة وسيحاول أن يقلد الآخرين في الأكل وبالتالي تتعود معدته على الأكل. والأمر الأخر قد يكون الطفل مريضا دون معرفة الأم ومن المهم جدا أن يجرى للطفل كشفا عاما لمعرفة أسباب فقدانه للشهية وكرهه للأكل.
القرن / ولكن كيف تستطيع الأسر الفقيرة أن توفر لأطفالها العناصر اللازمة للطفل؟
ج/ الأسر الفقيرة ليست مجبورة على البحث عن لحم الإستيك أو السمك وعن الوجبات الغالية فيمكن أن تشتري عظام المواشي والسمك بسعر رخيص، ويمكن أن تحصل عليه بالمجان فتطبخ لهم بالخضار، فيحصل الطفل على كل العناصر الغذائية اللازمة ،وكذلك يمكن أن تطبخ لهم المخ ومعدة المواشي بعد تنظيفهما بشكل جيد،وليس مطلوبا أن تؤكله البيض كل يوم بل يفي الغرض إذا أكلته في الأسبوع بيضة واحدة ،ولا أظن أن أسرة تعجز عن شراء العدس، إن توفير الغذاء الجيد للأطفال ليس بالأمر الصعب وإنما الأمر بحاجة إلى وعي الأم والأسرة بشكل عام.
أجرت المقابلة /
نبيهة عبدو فارح