على هامش الاحتفالات القطرية باليوم الوطني لدولة قطر الشقيقة وفي إطار التفاعل مع هذه المناسبة وللوقوف على ما شهدته العلاقات الجيبوتية القطرية من تطور خلال سبع سنوات من عمرها وأولويات ومتطلبات تحقيق مزيد من الارتقاء بها، بالإضافة إلى الوساطة القطرية بين جيبوتي وإرتريا ودور قطر الإقليمي التقينا بالسفير القطري السيد/ علي بن مبارك المهندي وأجرينا مع سعادته هذا الحوار:-
* القرن:بعد نحو سبع سنوات من تبادل البعثات الدبلوماسية بين دولة قطر وجمهورية جيبوتي كيف تقيمون سعادة السفير مستوى العلاقات الثنائية وماهي آفاق التعاون المستقبلي بين البلدين ؟
- السفير : أود في البداية أن أتوجه إليكم شخصيا وإلى أسرة جريدتكم الموقرة بالشكر الجزيل على هذه الفرصة الطيبة التي منحتموها لي من خلال هذا اللقاء .
وبالنسبة إلى سؤالكم، فهناك علاقات قائمة بين البلدين الشقيقين منذ أمد بعيد، لكن بعد تبادل البعثات الدبلوماسية في أواخر سنة 2005م شهدت هذه العلاقات نقلة نوعية، حيث ساهمت البعثات الدبلوماسية القطرية التي عملت في جيبوتي خلال السنوات الأخيرة بقسط وافر في تعزيز علاقات التعاون المثمر بين البلدين الشقيقين .
ولعله من المفيد التذكير في هذا السياق بالعلاقة الوطيدة التي تربط بين حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى وفخامة الرئيس الجيبوتي السيد إسماعيل عمر جيله - حفظهما الله - حيث تم تبادل للزيارات وعقدت اللقاءات وجرت الاتصالات وتم تبادل الرسائل بين الجانبين في العديد من المناسبات, ومن ذلك الزيارة التاريخية التي قام بها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى - حفظه الله - إلى جيبوتي بتاريخ 12 يونيو 2003م وأيضا الزيارة التي قام بها الرئيس الجيبوتي إلى العاصمة القطرية الدوحة في السابع والعشرين من مايو 2010م وأجرى خلالها محادثات مع سمو الأمير بشأن القضايا والمسائل ذات الاهتمام المشترك .
وكانت لسمو الأمير لقاءات أخرى مع فخامة الرئيس الجيبوتي وأبرزها اللقاء الذي جمع القائدين بمناسبة انعقاد القمة العربية والقمة العربية اللاتينية التي احتضنتها الدوحة في نهاية مارس 2009م وكذلك اللقاء الذي جمع بين الجانبين على هامش أعمال الدورة 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في سبتمبر 2011م .
إلى جانب ذلك توجهت خلال السنوات الأخيرة العديد من الوفود برئاسة كبار المسؤولين الجيبوتيين إلى الدوحة وآخرها الوفد الذي قاده معالي وزير الخارجية السيد محمود علي يوسف في نوفمبر 2011م والتقى خلاله حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر وسلمه رسالة خطية من فخامة الرئيس السيد إسماعيل عمر جيله .
و في المقابل استقبل فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله العديد من الوفود القطرية التي جاءت إلى جيبوتي سواء لتعزيز التعاون المشترك أو في إطار متابعة عملية الوساطة التي تقودها دولة قطر من أجل تسوية النزاع الحدودي بين جيبوتي وإريتريا. ومن الشخصيات القطرية البارزة التي قامت بزيارة جيبوتي والتقت فخامة الرئيس في هذا السياق نذكر معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني, وسعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور خالد بن محمد العطية، وسعادة اللواء الركن أحمد بن علي العطية رئيس هيئة أركان القوات المسلحة القطرية .
ونحن في دولة قطر نتابع تطورات الوضع في جيبوتي باهتمام بالغ، ونعلم جيدا أنها تحتاج إلى المساعدة والدعم في مختلف القطاعات والمجالات وخاصة البنية الأساسية والسكن والصحة والمياه والطاقة وغيرها من القطاعات الحيوية .
ونعلم أيضا أن هناك فرصا استثمارية هامة وواعدة في جيبوتي خاصة في قطاعات السياحة والصيد البحري وتربية المواشي وصناعة الملح والقطاع المصرفي والتأمين والنقل والاتصالات والطاقات المتجددة والقطاع العقاري والنقل الجوي، وندرك أن المناخ الاستثماري في جيبوتي ملائم في عمومه باعتبار أن الحكومة الجيبوتية تتبع سياسة الانفتاح وتتعامل بمرونة كبيرة مع المستثمرين العرب والأجانب وتقدم لهم كل العون والتسهيلات والإعفاءات الجمركية من أجل إنجاح مشاريعهم .
وعلى ضوء كل ما تقدم نستطيع أن نجزم بأن آفاق العلاقة والتعاون المستقبلي بين بلدينا الشقيقين إن شاء الله تعالى واعدة جدا وتبشر بكل خير .
* القرن :تستند العلاقات القطرية الجيبوتية على روابط جغرافية وثقافية ودينية، فكيف ترجمت الدبلوماسية في البلدين الشقيقين هذه العلاقة في إطار تعاون ثنائي وشراكة حقيقية؟
- السفير :ردا على هذا السؤال بإمكاننا القول إن العلاقة التي تربط دولة قطر بجمهورية جيبوتي هي علاقة حديثة إذا نظرنا إليها من جانب التمثيل الدبلوماسي باعتبار أن سفارتنا في جيبوتي تم فتحها في نهاية سنة 2005م بداية سنة 2006م، لكن إذا نظرنا إليها من زاوية الروابط الأخوية والحضارية بين الشعبين الشقيقين، وانتماء البلدين إلى أمة واحدة هي الأمة العربية ودين واحد هو الإسلام، إذا نظرنا من هذه الزاوية فإننا نستطيع القول بكل ثقة ودون أي تردد إن العلاقة بين بلدينا هي علاقة قديمة وعريقة ومتجذرة في التاريخ ولها آفاق واعدة جدا .
وإنني سأبذل قصارى جهدي وسأعمل بخطى حثيثة وثابتة - كما هو شأن البعثات الدبلوماسية السابقة - من أجل المضي قدما بعلاقات التعاون بين بلدينا الشقيقين، وسأسعى خاصة لتسخير كافة المشتركات الثقافية والدينية والحضارية التي تجمع بيننا وجعلها محركا ودافعا يسهم بفاعلية في الارتقاء بالعمل التعاوني بين بلدينا إلى أعلى المستويات .
* القرن : تحتل دولة قطر موقعا هاما على خريطة الفعاليات الرياضية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الدولية من خلال استضافة تلك الفعاليات ودعمها، فما هي الأدوات التي توظفها دولة قطر لتحقيق هذه الغاية ؟ وكيف تنعكس عليها ؟
- السفير :فعلا، لقد أصبحت دولة قطر حاضنة للملتقيات والفعاليات الدولية الكبرى بمختلف أصنافها، وفي الحقيقة هذا خيار من بين أهم الخيارات التي تنبني عليها السياسة الحكيمة والرشيدة لحضرة صاحب السمو، والمقصود هنا خيار الانفتاح على الخارج، الانفتاح الإيجابي والمدروس والهادف والذي نرمي من ورائه إلى الإحاطة بما يجري في العالم، وكذلك المشاركة البناءة في الفعل الإنساني والحضاري .
ومن أجل بلوغ هذه الغاية النبيلة تستعمل دولة قطر كل ما أتيح لها من أدوات ووسائل مادية ومعرفية، كما توظف جميع الإمكانيات التي لديها وعلاقاتها الطيبة والمثمرة مع مختلف دول العالم، وأيضا حالة الاستقرار التي تنعم بها بفضل الله ومنته أولا وبفضل السياسة العادلة والراشدة لقيادتها ثانيا وبفضل طيبة ونبل شعبها وتوقه للعلم والمعرفة والتقدم والنماء والإلمام بمقومات الحضارة والتمدن ثالثا .
ولقد لمسنا نتائج جد طيبة ومشجعة إلى أبعد الحدود لهذا العمل الكبير الذي لا نسعى من ورائه لجني الأرباح المادية بل للكسب الحضاري والإنساني لنا ولأمتنا العربية والإسلامية .
* القرن :ما هي أولويات سعادة السفير في سبيل تطوير أكبر لعلاقات البلدين بحيث تلامس تطلعات الشعبين الشقيقين ؟
- السفير :لا شك أن أهم هدف يجب السعي إلى تحقيقه في هذا السياق هو النهوض بالتعاون الاقتصادي بين بلدينا، ولذللك أرى أن أولوية الأولويات في هذه المرحلة تتمثل في العمل على تكثيف الزيارات المتبادلة بين المستثمرين ورجال الأعمال والخبراء أيضا وأهل الاختصاص من أجل بحث سبل تأسيس قاعدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين . وفي هذا السياق أعتقد أنه من الضروري إبرام المزيد من اتفاقيات التعاون وبروتوكولات ومذكرات التفاهم التي على أساسها يتم تنظيم التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات والقطاعات، وذلك على غرار ما تم في قطاعات التربية والتعليم والقضاء والنقل الجوي وغيرها .
نقطة أخرى أرى أنه من الأولى والمهم التركيز عليها في هذه المرحلة ألا وهي السعي إلى تحسين كفاءة المساعدات الإنسانية والإنمائية التي تقدمها دولة قطر لجيبوتي .
* القرن :تتميز علاقة البلدين بمتانتها وتطابق وجهات النظر لدى القيادتين حول مختلف القضايا العربية والإسلامية والإقليمية، فكيف يمكن استثمار هذه العوامل في خدمة التنمية والاستقرار في المنطقة والارتقاء أكثر بالتعاون بين البلدين ؟
- السفير : هذا صحيح، فقطر وجيبوتي تتبنيان سياسة خارجية متشابهة أساسها السعي الدائم والجاد من أجل إحلال الأمن والاستقرار في الداخل والخارج وكذلك بذل الجهود من أجل تحقيق التقارب والتصالح بين الفرقاء .
وفي هذا الإطار نذكر أن دولة قطر نجحت نجاحا باهرا في تحقيق المصالحة بين الإخوة اللبنانيين في ظروف يعلم الجميع صعوبتها وحساسيتها، وهي تسعى منذ مدة بجد ودون كلل أو ملل من أجل بلوغ هذه النتيجة المشرفة مع الإخوة في السودان، وكذلك شرعت قطر برعاية سمو الأمير في الوساطة بين جيبوتي وإريتريا بهدف تسوية النزاع الحدودي بينهما والوصول إلى حل عادل ودائم يرضي الطرفين المتنازعين . كما أنها لن تدخر جهدا في الوساطة الخيرة وإصلاح ذات البين وتحقيق المصالحات سواء على الصعيد العربي أو على مختلف الأصعدة الأخرى التي تلتقي فيها مصلحة الدول العربية والإسلامية .
وأعتقد أن جمهورية جيبوتي قد سارت على نفس هذا النهج باحتضانها ورعايتها لمؤتمر المصالحة بين الإخوة الصوماليين الذي أدى إلى انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للصومال وتشكيل حكومة انتقالية وبرلمان، أي أن جيبوتي نجحت فعلا في إخراج الصومال من حالة الفراغ السياسي الذي عانت منه لأعوام طويلة، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير .
إذن يمكن اعتبار دولة قطر وجمهورية جيبوتي عنوانين بارزين للعمل الجاد من أجل تحقيق المصالحات العربية والإسلامية، وربما يكون من المفيد تنسيق جهودهما وتعاونهما تحت مظلة جامعة الدول العربية في هذا المجال .
* القرن : مالجديد على صعيد العلاقات الثنائية مع جيبوتي خاصة فيما يتعلق باستقدام العمالة الجيبوتية؟
- السفير :لقد تم في أغسطس 2011م توقيع اتفاقية ثنائية بشأن تنظيم استقدام العمال الجيبوتيين للعمل في دولة قطر، وهذه الاتفاقية تم توقيعها في الدوحة بين دولة قطر ممثلة في وزارة العمل وجمهورية جيبوتي ممثلة في وزارة العمل والإدماج والتدريب المهني .
وأعتقد أن هذه الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ حيث قامت شركة حراسة قطرية منذ مدة بنشر إعلان في الصحف الجيبوتية لطلب عمال وأعوان حراسة من جيبوتي .
وبطبيعة الحال الشركات والمؤسسات القطرية مثل بقية المؤسسات لها بعض الشروط للقبول والتوظيف، وهي ستقبل وتوظف العمال الجيبوتيين متى توفرت فيهم تلك الشروط .
القرن : مر أكثر من عامين على الوساطة القطرية بين جمهورية جيبوتي ودولة إريتريا والتي كان لها دور إيجابي وحاسم في إزالة القلق والتوتر بين الجانبين، فأين وصلت جهود هذه الوساطة ؟
- السفير : لقد تم الإعلان رسميا يوم 6 يونيو 2010م عن اتفاقية وساطة بين جيبوتي وإريتريا قام بتوقيعها كل من فخامة الرئيس الجيبوتي السيد إسماعيل عمر جيله ونظيره الإريتري السيد أسياس أفورقي برعاية حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر . وتتمثل أبرز النقاط التي تنص عليها هذه الاتفاقية في موافقة كل من جمهورية جيبوتي ودولة إريتريا على وساطة دولة قطر بهدف إيجاد حل نهائي للنزاع الحدودي القائم بين البلدين منذ عام 2008م، وتبادل الأسرى الذين تم اعتقالهم أثناء المواجهات المسلحة، وتعيين شركة دولية متخصصة لتتولى القيام بعملية ترسيم الحدود بين البلدين وفق المعايير والآليات الدولية المعتمدة في هذا المجال .
واستنادا على هذه الاتفاقية تمكنت الوساطة القطرية من إحراز تقدم وقطع خطوات لا بأس بها وتحقيق نتائج إيجابية ومشجعة على درب التسوية السلمية للنزاع الحدودي بين جيبوتي وإريتريا لعل أهمها :
* تبادل الاتفاقيات بين ممثلي البلدين في الدوحة .
* ترحيب المجتمع الدولي المطلق بالوساطة القطرية بعد فشل ورفض كل محاولات ومقترحات الوساطة التي تقدمت بها جهات أخرى .
* إزالة المخاوف من عودة المواجهات المسلحة بين الطرفين، فمنذ وصول وفد المراقبين العسكريين القطريين وتمركزه في المنطقة المتنازع عليها تم الفصل بين القوات المسلحة الجيبوتية والإريترية التي ظلت نحو عامين مرابطة في الموقع الذي تمت فيه المواجهات المسلحة في حالة ترقب تنبئ بعودة القتال واستئناف إطلاق النار في أي لحظة .
* انسحاب القوات الإريترية والجيبوتية من منطقة دميرة وجزيرة دميرة المتنازع عليها مسافة تقدر بخمسة كيلومترات .
* تقدم دولة قطر في سبتمبر 2011م بمقترحات تشمل رؤية قطر ومقترحاتها بخصوص موضوع ترسيم الحدود بين جمهورية جيبوتي ودولة إريتريا .
لكن ورغم التقدم المحرز فإنه وبعد أكثر من عامين ونصف العام من الجهود لم يتم التوصل إلى تحقيق الهدف الأساسي من الوساطة القطرية واتفاقية السلام ألا وهو ترسيم الحدود بشكل نهائي والتسوية السلمية للنزاع الحدودي القائم بين جيبوتي وإريتريا منذ العام 2008م، وذلك بسبب جملة من القضايا والمسائل الفرعية التي لا تزال عالقة .
وعليه فإن الوساطة القطرية وبالتعاون مع مختلف الأطراف المعنية هي بصدد البحث الآن عن حلول لهذه القضايا الفرعية عسى أن يفضي ذلك إلى تسوية عادلة ونهائية للخلاف الحدودي بين جمهورية جيبوتي ودولة إريتريا .
القرن : نصل بكم سعادة السفير إلى مرافئ الختام فماذا تود أن تقول ؟
السفير : أشكركم مجددا على هذه الاستضافة اللطيفة، وأود أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى الحكومة الجيبوتية وعلى رأسها فخامة رئيس الجمهورية السيد / إسماعيل عمر جيله على كل ما لقيناه من دعم ومساندة وتعاون لإنجاح مهمتنا ومهمة سفارتنا .
أجري الحوار /
جمال أحمد ديني